كتاب فصول في الدعوة والإصلاح

التقدمي الحقيقي؟
فأنت لا تعرّف «التقدمية» إذن إلا إذا حدّدتَ الوجهة التي تتوجه إليها. هذا هو التفريق المادي بالنسبة إلى الرجل الذي يمشي، فما هو التفريق المعنوي بين «التقدمية» التي يَدْعون إليها و «الرجعية» التي يخوّفون الناس بها؟
هل يريدون بالتقدمي الرجل الذي يدعو إلى الجديد، إلى عصر الذرة والصاروخ، وبالرجعي الرجل الذي يتمسك بالقديم ويريد أن نعود إلى عهد الجمل والسِّراج؟ إن كان هذا هو الذي يريدون فليس بشيء، لأن الأمور لا تقسَّم إلى جديد وقديم، بل إلى حق وباطل وخير وشر. وإذا كان كل قديم -على رأي هؤلاء- عتيقاً بالياً واجباً تركُه فإن العقل أقدم من الدين، فإذا تركتم الدين لقِدَمِه فاتركوا العقل لأنه أقدم منه، وعودوا مجانين هاربين من مستشفى المجاذيب! والحب قديم، فاتركوا الحب. والزواج قديم، فأبطلوا الزواج. وآباؤكم وأجدادكم صاروا من أهل القديم، فتبرّؤوا من آبائكم وأجدادكم ... أفهذا كلام يا ناس؟!
كلا، ما هذا هو المقياس الصحيح. وإذا كان في هذا العصر تقدّم العلم وازدهار الحضارة، فإن فيه الحروب المدمرة والقنابل المبيدة والتهتك والفساد، وفي هذا العصر تركنا اليهود يسلبوننا قطعة من قلب بلادنا ويستأثرون بها دوننا، ويشرّدون أبناءها حتى يتفرقوا فوق كل أرض وتحت كل نجم، وقبل ألف سنة كان أسلافنا يركبون الإبل لا يعرفون السيارات ولا الطيارات، ويعيشون على السُّرُج ومصابيح الزيت، ولكنهم كانوا سادة الدنيا وكانوا أعزّ الأمم.

الصفحة 11