كتاب فصول في الدعوة والإصلاح

فإذا قلتم إننا رجعيون فنحن معكم، ونفتخر بأننا من الرجعيين. لكننا لا نريد الرجعة إلى عهود الاستعمار ولا إلى أيام الانحطاط والتأخر، بل نريد الرجوع إلى العهد الذي كنا فيه ملوك الأرض وكنا أساتذة العالم، وكان في أيدينا صَوْلجان الحكم وكان في أيدينا منار العلم. إلى عهد الصدر الأول، العهد الذي خرجت فيه الجيوش العربية المسلمة من هذا البلد تحمل راية محمد صلى الله عليه وسلم، فركزتها على كل جبل وفوق كل قلعة، من قلب فرنسا إلى قلب الصين.
على أننا إذا تلفَّتْنا إلى الماضي فلا نلتفت إليه لنرجع القهقرى ونمشي إلى الوراء، بل لنستمد منه القوة على السير سعياً إلى الأمام، إلى الأمام لنربط بين الماضي المجيد والمستقبل المجيد، إلى الأمام لنصل مجدنا الجديد بمجدنا التليد.
* * *
إننا نعلم أن الاستغراقَ في الماضي وحدَه نومٌ أو جمود، والاستغراقَ في المستقبل وحده هوسٌ وجنون، والاستغراقَ في الحاضر وحده عجزٌ وقعود. ونحن نريد أن نستمدّ من الماضي دافعاً وحافزاً، ومن المستقبل موجّهاً ومرشداً، ومن الحاضر عماداً وسناداً.
إننا ندعو إلى العودة إلى الماضي، ولكن ما معنى هذا؟ هل معناه أن نعود القرون الماضية ونرجع الكرة الأرضية في دورانها، ونسقط من حساب الزمان هذه القرون الطويلة حتى نعيش في القرن الأول الهجري مرة أخرى؟ هذا مستحيل.

الصفحة 12