كتاب فصول في الدعوة والإصلاح

أما من الناحية العلمية فالمسلمون يؤلفون أمة واحدة، ليس في الدنيا أمة أقوى منها في الروابط المعنوية وفي الإرادة العامة؛ فتاريخها واحد وآمالها واحدة، ثم إن لها من دينها روابط ليست لغيرها. وحسبك بالحج الذي يجتمع فيه أفرادها من سائر آفاق الأرض، فيقوم الصيني إلى جانب الياباني، بجوار الهندي والأفغاني، والعربي والتركي، ومن جاء من روسيا ومن قدم من بلاد الألبان ... لباسهم واحد، ونداؤهم واحد، وربهم واحد؛ فأي رجل يستطيع أن يقول بأن هذا الهندي أو هذا الفارسي غريب عنك، وأن طنوس العربي وحاييم العربي أقرب منه إليك؟!
ثم إن من معجزات الإسلام أنه استبق الأيام فأقرّ هذه الرابطة (الروحية المادية معاً) منذ أربعة عشر قرناً، مع أن العالم لم يتجه إلى مثلها إلا في هذه الأيام التي سقطت فيها -في الواقع- المبادئ العنصرية وقامت في مكانها روابط فكرية، كالشيوعية والنازية والديمقراطية ... فلماذا لعمري تؤلف الشيوعية بين الفرنسي الشيوعي والروسي، على اختلاف الدم واللغة، ولا يؤلف الإسلام، وهو الرابطة المحكمة والعروة الوثقى، بين كافة متّبِعيه؟
أما من الناحية الدينية فإن الإسلام لم يَدَعْ للمسلم الخيار في هذا الباب، بل وضع هذه الوحدة الإسلامية موضع الأسس الكبرى من الدين، فقال الله تعالى: {إنّمَا المُؤْمِنونَ إخْوَة}، وشبّه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأعضاء الجسد الواحد، وأعلن في حجة الوداع على رؤوس الملأ أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وتلا قول الله عز وجل: {إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ}، وقدّم النبي صلى الله عليه وسلم سلمانَ الفارسي وصُهيباً الرومي وبلالاً الحبشي،

الصفحة 286