كتاب فصول في الدعوة والإصلاح

أشعار شعراء الإنكليز قبل خمسة قرون والفرنسي اليوم لا يستطيع أن يفهم أشعار شعراء الفرنسيين قبل خمسة قرون؛ تبدلت قواعد الإنكليزية والفرنسية في هذه القرون الخمسة وبقيت قواعد اللغة العربية كما كانت منذ أنزل الله القرآن، والسبب في بقائها هو القرآن.
فإذا كانت العربية هي الدعامة الكبرى في بناء القومية العربية، فالإسلام يدعو إلى حفظها وإتقانها. ونحن -دعاةَ الإسلام- لا نزال أعلمَ بالعربية وأعرف بعلومها، ولا نزال نحن المرجع فيها، ولم يظهر إلى الآن من دعاة القومية من يُعَدّ مرجعاً في اللغة وعلومها، بل إن جلّهم (إن لم نقل كلهم) يلحن في عشرة أسطر يتلوها أو عشر جُمَل يلقيها، فكيف يحمل لواء الدعوة إلى القومية من لا يعرف لغة أهلها؟
والدعامة الثانية (وهي التاريخ): نحن، لا هم، حرّاسها وحُماتها. إن التاريخ العربي هو التاريخ الإسلامي، تاريخ انتشار هذه الدعوة، تاريخ هذه الفتوح، تاريخ الحضارة التي أقامها الإسلام ... وهذا التاريخ لا يعرفه إلا من عرف علم الرجال وميّز بين الروايات والأسانيد، ولا يعرف هذا إلا المشتغلون بالحديث وعلومه، وأعني بذلك رجال الدعوة الإسلامية.
وقد يحمل القوميون الشهادات الجامعية في الاختصاص بالتاريخ ويكونون هم مدرّسيه في الجامعات بحكم هذه الشهادات، ولكن بضاعتهم كلَّها هي ما تلقّوه عن المستشرقين وما قرؤوه في كتبهم التي لا يخلو كتاب منها من الدس ومن الجهل.

الصفحة 296