كتاب إنارة الدجى في مغازي خير الورى صلى الله عليه وآله وسلم

معارضة دريد بن الصمّة لمالك بن عوف النصري:
فلمّا نزل بأوطاس.. اجتمع إليه الناس، وفيهم دريد بن الصّمة شيخ كبير مجرّب، زاد عمره على المئة، وعمي بصره، فلمّا نزل.. قال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل، لا حزن «1» ضرس، ولا سهل دهس، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم، ونساءهم، وأبناءهم، قال: أين مالك؟ قيل:
هذا مالك، ودعي له فقال: يا مالك؛ إنّك قد أصبحت رئيس قومك، وإنّ هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟
قال: سقت مع الناس أموالهم، وأبناءهم، ونساءهم، قال:
ولم ذاك؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله؛ ليقاتل عنهم، قال: فانقضّ به دريد «2» ، ثمّ قال:
راعي ضأن والله، ما له وللحرب، وصفّق بإحدى يديه على الأخرى تعجّبا، وقال: هل يرد المنهزم شيء؟ إنّها إن كانت لك.. لم ينفعك إلّا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك..
فضحت في أهلك ومالك.
__________
(1) الحزن: ما غلظ من الأرض، والضرس: ما صلب من الأرض، والسهل: ضد الحزن، والدهس: اللين كثير التراب.
(2) يريه أنّه نقر بلسانه في فيه، كما يزجر الشاة أو الحمار.

الصفحة 664