كتاب إنارة الدجى في مغازي خير الورى صلى الله عليه وآله وسلم

وكيف لا ومستمدّ سيبه ... من سيب ربّ ذي عناية به
وأعطى العباس بن مرداس أربعين من الإبل، فقال في ذلك شعرا، فأعطاه مئة من الإبل، ويقال: خمسين.
وأعطى ذلك كله من الخمس، وهو أثبت الأقاويل عندنا، ثمّ أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم، ثمّ فضها على الناس، فكانت سهمانهم لكل رجل أربعا من الإبل أو أربعين شاة، فإن كان فارسا.. أخذ اثنتي عشرة من الإبل، أو عشرين ومئة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد.. لم يسهم له.
(وكيف لا) يعطي هذا العطاء الجم وأشباهه (ومستمد) أي: والحال أنّ مأخذ (سيبه) بفتح الأوّل؛ أي: عطائه (من سيب) أي: من عطاء (رب ذي عناية به) صلى الله عليه وسلم! وإذن فلا غرابة في ذلك؛ فقد أعطاه الله الدنيا والآخرة، وهو يعطي ما شاء لمن شاء، قال الله تعالى:
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى وقال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وقال تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنّ عناية الله تعالى بسيدنا ونبينا صلى الله عليه وسلم فوق عنايته بغيره من الأنبياء والمرسلين؛ فإنه تعالى لم يقل مثل ذلك لغيره من النبيين.
أقول: ولو لم يكن من كرمه وجوده عليه ألف صلاة، وألف سلام إلّا وقوفه في ذلك اليوم العظيم، الذي يكون كل واحد مهتما فيه بنفسه، والأنبياء تقول: نفسي نفسي، وهو

الصفحة 694