كتاب ثمر الثمام شرح «غاية الإحكام في آداب الفهم والإفهام»

التجوُّزِ من الجملةِ قبله (١)، على حدِّ ما يُقال في: [من الخفيف]
رَحِمَ اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوها ... بِسِجِسْتانَ طَلْحَةِ الطَّلَحاتِ (٢)
إن قلتَ: إنما يقولون ذلك إذا تعلَّقَ الغرضُ بآخر الآية.
قلتُ: هنا كذلك، فإنَّ تمامها {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ} أيّا كان، من أساطير الأولين، أو كهانة، أو تقوُّلٍ .. {لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} تناقضاً في معانيه، وتبايُناً في نظمه، فإنَّ ما فيه من المعاني البديعة، والسياقاتِ الرفيعة لو سلكها غيرُ القادرِ على كلِّ شيءٍ مَعَ الطولِ وكثرة التكرار .. لوقع في الاضطراب، وخرج عن حدِّ البلاغة رغماً عنه، وقد جاء هو مع ذلك في الطرف الأَعلى منها كما يشهد به التأمُّلُ، فكان ذلك أتمَّ دليلٍ لهم، وأقوى باعثٍ على الإيمان، لكنهم لم يعملوا بمقتضاه، فكفروا واستغنى الله.
---------------
(١) فكأنه جعل ذكر بعضها كذكرها كاملة، فصار بدل كل من كل.
(٢) اليت لعبيد الله بن قيس الرقيات، كما في " ديوانه " (ص ٢٠)، وفيه: (نضَّرَ) بدل (رحم).
والشاهد فيه هنا: على رواية النصب في (طلحة)، فهو إما منصوب بفعل مضمر تقديره: (أعني) على سبيل المدح، أو هو بدل كل من بعض، إذ أعْظُم طلحة بعض طلحة، أو بدل كل من كل بجعل أعْظُم من قبيل ذكر البعض وإرادة الكل، وهذا الأخير ما صححه أبو حيان.
أما على رواية الخفض .. فهو على تقدير محذوف مضاف، أي: أعظمَ طلحةِ، أو مضاف لسجستان على الحقيقة، لأنه كان والياً عليها. انظر ذلك كلَّه في " خزانة الأدب " (٨/ ١٤ - ١٥).

الصفحة 135