كتاب الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين

وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] وشاء الله عز وجل أن أخرج هذه الأمة من الظلمات إلى النور؛ وذلك بأن بعث فيها نبيًا منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، فكانت بعثه - صلى الله عليه وسلم - نعمة كبرى، ومنة عظمى من الله عز وجل، حيث فتح الله به قلوبًا غلفًا، وآذانًا صمًا، ولم يلحق - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى إلا بعد أن ترك أصحابه مجتمعين على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وقد أشهد ربه على هذا البلاغ المبين، كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه فقال: «اللهم هل بلغت ثلاث مرات، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا يراها العبد الصالح أو ترى له» (¬1).
وأشهد أصحابه في يوم عظيم، ومكان عظيم، على تبليغه الرسالة وأدائه الأمانة، فقال عليه الصلاة والسلام، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه: «تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فماذا أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس (اللهم اشهد) ثلاث مرات (¬2).
¬__________
(¬1) صحيح مسلم كتاب الصلاة (41) باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، (479) (1/ 348) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
(¬2) صحيح مسلم، كتاب الحج (19) باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث رقم (1218)، (2/ 890).

الصفحة 6