كتاب أمثال العرب ت إحسان عباس

ويقص علينا حبيب بن بسطام الوراق الأزدي البصري كيف كان يتشوف إلى طلب العلم على المفضل، فغادر البصرة إلى الكوفة وهو يتخوف أن يصده المفضل لأنه بصري ولأنه أزدي، فروى عن هاتين الحقيقتين بأن قال له حين سأله عن منبته: ((من أرض الهند)) لأن البصرة كانت تعرف يومئذ بذلك، ولما سأله عن ولائه أجاب: لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ونرى المفضل وتلميذه الأزدي يرتادان سوق الكوفة، ويدخلان دكان رجل يبيع الخبط والنوى (1) .
ولا ندري الحافز الذي دفعه للانتقال إلى البصرة، رغبة في استيطانها لا على وجه الزيارة العابرة، فقد كان حين رحل إليها قد أتقن المعارف التي شهر بها، وخاصة رواية الشعر والأخبار (2) ، ولابد من أن تكون رحلته إليها قد تمت قبل سنة 142هـ؟، وهي السنة التي توفي فيها سليمان بن علي الهاشمي، إذ تذكر الأخبار له صلة بذلك الأمير (3) . وعلى ما كان لدى علماء البصرة حينئذ من استخفاف بعلماء الكوفة إلى درجة امتناعهم من الأخذ عنهم، فإن المفضل كان استثناء في ميدانه الذي كان يحسنه، فقد وثقوه، وتقلبوا روايته وأخذوا عنه، وقال ابن سلام فيه: ((وأعلم من ورد علينا من غير أهل البصرة المفضل بن محمد الضبي الكوفي)) (4) - يعني العلم بالشعر - كما اعترف له جهم بن خلف المازني - رغم هجائه له (5) -
__________
(1) انباه الرواة 3: 300.
(2) انباه الرواة 3: 304.
(3) ولي البصرة 133 - 139 وبقي يعيش فيها حتى وفاته (راجع الوافي بالوفيات 15: 406 والفوات 2: 70 وتهذيب ابن عساكر 6: 281 وتهذيب التهذيب 4: 211) غير أن بعض المصادر يذكر عيسى بن جعفر (الخصائص 3: 306) وبعضها يذكر جعفر بن سليمان في موضع: سليمان بن علي.
(4) طبقات فحول الشعراء: 23 وتهذيب الأزهري 1: 10 وانباه الرواة 3: 299.
(5) ورد هجاؤه في معجم الأدباء 7: 212 حيث يقول:
انت كوفي ولا يحفظ كوفي صديقا ... لم يكن وجهك يا كوفي للخير خليقا ...

الصفحة 10