كتاب أمثال العرب ت إحسان عباس

بكتابه حتى أتى به عامله فقتله، ومضى المتلمس حتى لحق بملوك جفنة بالشأم، فقال في ذلك المتلمس (1) :
من مبلغ الشعراء عن أخويهم ... نبأ فتصدقهم بذاك الأنفس
أودى الذي علق الصحيفة منهما ... ونجا حذار حبائه المتلمس
ألقى صحيفته ونجت رحله ... (2) عنس مداخله الفقارة عرمس
- 88 -
زعموا أن أخوين (3) كانا فيما مضى في ابل لهما فأجدبت بلادهما، وكان قريباً منهما وادٍ فيه حية قد حمته من كل واحد، فقال أحدهما للآخر: يا فلان لو أني أتيت هذا الوادي المكلىء فرعيت فيه ابلي وأصلحتها، فقال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أحداً لم يهبط ذاك الوادي إلا أهلكته؟ قال: فو الله لأهبطن، فهبط ذلك الوادي فرعى إبله به زماناً، ثم إن الحية لدغته فقتلته، فقال أخوه: ما في الحياة بعد أخي خير ولأطلبن الحية فأقتلها أو لأتبعن أخي، فهبط ذلك الوادي فطلب الحية ليقتلها، فقالت: ألست ترى أني قتلت أخاك، فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي فتكون به وأعطيك ما بقيت ديناراً في كل يوم، قال: أفاعلة أنت؟ قالت: نعم، قال: فإني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضيرها، وجعلت تعطيه كل يوم ديناراًُ فكثر ماله ونبت إبله، حتى كان من أحسن
__________
(1) الأغاني 23: 544 وديوان المتلمس (القصيدة رقم: 9) .
(2) العنس: الناقة القوية، العرمس: الصلبة.
(3) قصة الحية وردت عند ابن قتيبة في الشعر والشعراء: 96 (نقلاً عن المفضل) والميداني 2: 61 ((كيف أعاودك وهذا أثر فأسك)) وانظر الدميري 1: 73 وهي قصة تتردد خارج نطاق الأدب العربي، فنجد شبيهاً لها عند ايسوب (دالي رقم 51) وملحق بابريس رقم: 573، ويقال أنها ترجع إلى أصل هندي؛ وقد عرضت لها بشيء من التفصيل في كتابي ((ملامح يونانية)) ص 73 - 75.

الصفحة 177