كتاب أبو هريرة راوية الإسلام

وهكذا تصدَّرَ أبو هريرة في المدينة للفتوى والاجتهاد يسأله الناس فيجيبهم، ويستفتونه فيُفتِيهم، ويستشهدونه على حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيشهد لهم. من هذا ما رواه البخاري بسنده عن أَبي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ، يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا حَسَّانُ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ (1).

ويسأله مروان بن الحكم عن صلاة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجنائز فيجيبه (2).

وعرف الصحابة والتابعون وأهل العلم من بعدهم منزلته ومكانته، فكانوا يحتجُّون بعمله واجتهاده، من هذا ما رواه الإمام مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» (3).

ومن هذا أيضاً ما رواه الإمام مالك عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: «صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» (4).

وأختم هذا بما قاله الإمام مالك: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وعَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، وأَبَا هُرَيْرَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمَدِينَةِ. الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَيَجْعَلُونَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الإِمَامَ. وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ (5).

من هذا يتبيَّنُ لنا أنَّ أبا هريرة كان أحد أعلام الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -
__________
(1) " صحيح البخاي بحاشية السندي ": ص 74، جـ 4، وانظر " مسند الإمام أحمد ": ص 63، جـ 14.
(2) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 214 حديث 7471، جـ 13.
(3) " موطأ الإمام مالك ": ص 180 حديث 9، جـ 2. وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب التكبير في العيدين.
(4) " موطأ الإمام مالك ": ص 228 حديث 18، جـ 1.
(5) " موطأ الإمام مالك ": ص 230 حديث 24، جـ 1.

الصفحة 130