كتاب أبو هريرة راوية الإسلام

أنَّ ما أخذه الأمير منه إنما هو عطاياه وأسهمه، ومع هذا لم يحقد على عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بل شعر في نفسه أنه مظلوم، فراح يستغفر لأميره ..

هذا إذا اعتبرنا صِحَّةَ الرواية، عِلْماً بأنَّ الروايات الأخرى تقول: «قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟ قُلْتُ: خَيْلٌ نُتِجَتْ، وَغَلَّةٌ وَرَقِيقٌ لِي، وَأَعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ عَلَيَّ». فَنَظَرُوا فَوَجَدُوهُ كَمَا قَالَ (1). وفي بعضها: «أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا» (2) وأُرَجِّحُ أنَّ عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - شاطره ماله، كما شاطر غيرَهُ من الأمراء، إلاَّ أنه لم يضربه، وفي الحقيقة إنَّ ابن عبد ربه يقول: «ولما عزل عمر أبا موسى الأشعريّ عن البصرة وشاطره ماله وعزل أبا هريرة عن البحرين وشاطره ماله، وعزل الحارث بن كعب بن وهب وشاطره ماله ... ودعا أبا موسى ... ثم دعا أبا هريرة» (3). وقاسم عمر سعد بن أبي وقاص ماله حين عزله عن العراق (4)، فعُمَر لم يتَّهِمْ أبا هريرة ولم يشاطره ماله وحده بل تلك كانت سياسته مع وُلاَّته، كي لا يطمع امرُؤٌ في مال الله، ويحذر من الشُبُهات، وكان يعزل وُلاَّته، لا عن شُبْهَةٍ، بل من باب الاجتهاد وحُسْنِ رعاية أمور المسلمين، فلما عزل «المغيرة بن شُعبة عن كتابة أبي موسى، قال له: أعن عجز أم خيانة يا أمير المؤمين؟ قال ك لا عن واحدة منهما، ولكنِّي أكره أنْ أحمل فضل عقلك على العامة» (5).

وكتاب عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إلى الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ يؤكِّدُ سياسته مع جميع وُلاَّته وعُمَّاله فقد جاء في كتابه: «سِرْ إِلَى عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ - وكان والياً على البصرة - فَقَدُ وَلَّيْتُكَ عَمَلَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَقَدَمُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الحُسْنَى لَمْ أَعْزِلْهُ اَلاَّ يَكُونُ عَفِيفًا صَلِيبًا شَدِيدَ الْبَأْسِ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَغْنَى عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ
__________
(1) " تاريخ الإسلام ": 2/ 338، و " حلية الأولياء ": 1/ 380، و " البداية والنهاية ": 8/ 111.
(2) " طبقات ابن سعد ": جـ 4، القسم الثاني، ص 59.
(3) " العقد الفريد ": 1/ 33.
(4) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 105، قسم 1، جـ 3.
(5) " العقد الفريد ": 1/ 60 ...

الصفحة 177