كتاب أبو هريرة راوية الإسلام

ومعاذ الله أنْ يروي ابن عباس ذاك الخبر، ولكن يد الوضع صنعته، لتثبت بالفقرة الأخيرة منه أحقية عليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بالخلافة .. ولتثبت ولايته العامة على الحج سَنَةَ براءة.

ثالثاً: إنَّ هذا الخبر لم يرد في كتاب موثوق به، وقد نقله الكاتب عن كتاب " الموفقيات " للزبير بن بكار المشهور، وهو ثقة قد ألَّف تاريخه هذا للموفق بالله بن المتوكِّل الخليفة العباسي. إلاَّ أنه لم يذكر إسناده فسقط الاحتجاج به.

وهكذا تبيَّن لنا ضعف هذا الخبر سنداً ومتناً: إلاَّ أنَّ المؤلف لم يأخذ ما ذكرناه مأخذاً سليماً ولم يعتبره، ورأى في هذا الخبر ما يُشفي غليله، ويشبع رغبته بتوجيه الطعن، لا إلى أبي هريرة وحده، بل إلى الخليفتين الراشدين - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعاً - فعقَّب على تلك الرواية بقوله: «فلله أبوه كيف استظهر على الخليفة بهذه الحُجَّةِ البالغة فأخذه من بين يديه ومن خلفه ومن جميع نواحيه حتى لم يبق في وسعه أنْ يثبت فأعرض وأسرع ولو أنَّ صاحبه كان هو الأمير في ذلك الموسم ـ كما يزعم أبو هريرة ـ ما لاذ إلى الاسراع بل كانت له الحُجَّةُ على ابن عباس وعمر كان مع أبي بكر إذ توجه ببراءة وإذ رجع من الطريق فهو من أعرف الناس بحقائق تلك الأحوال» (1).

هذه إحدى النتائج التي يرمي إليها الكاتب من وراء ذاك الخبر؛ ولكن ابن عباس لم يأخذ الخليفة من بين يديه ومن خلفه ومن جميع نواحيه، لأنَّ شيئاً من هذا كله لم يكن، وإني على يقين من عدم صحة ذاك الخبر الذي بيَّنْتُ ضعفه، ومنافاته للذوق السليم والمنطق والمنهج العلمي، لوجود روايات صحيحة ثابتة ترده، وتقوم حُجَّةُ على المؤلف، وتبرِّئ ابن عباس مِمَّا ألصق به، وتنزه الخلفاء الثلاثة عن تلك التُّهم الباطلة التي وجهت إليهم، وتثبت مقام عليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وحُبَّهُ لهم، وتنفي كل افتراء عليه وعليهم، وإنَّ
__________
(1) " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 168.

الصفحة 191