كتاب أبو هريرة راوية الإسلام

كيف يريد أنْ يقلب الحقائق التاريخية التي عرفها كل إنسان آنذاك، وعاصرها كثير من المسلمين، فيجعل أبا هريرة كذاباً يضع ما يروق للجمهور!! فهل الجمهور على خطأ في معرفتهم أم أنَّ بعض أهل الأهواء الذين دفعتهم ميولهم وأهواؤهم إلى الكذب والتلفيق وقلب الحقائق هم المخطئون!!؟ إنَّ الواقع والبحث العلمي شيء والانسياق وراء العاطفة والهوى شيء آخر، فللمرء أنْ يميل إلى أيِّ مبدأ أو إلى أي شخص، وله أنْ يحبه أو يكرهه، ولكن لا يجوز بأيِّ شكل أنْ يُحَرِّف الحقيقة، ويخالف الواقع، فأبو هريرة لم يكذب في هذا الخبر ولا في غيره، والجمهور في تأمير أبي بكر على الحج لم يختلقوا أخباراً من عندهم، إنما كانوا على الحق والصواب، لأنهم عاصروا ذلك وعرفوه ورفضوا كل خبر ينافي الحقيقة التاريخية الصادقة. ولهم في اعتقادهم هذا وأبو هريرة في خبره لم يمنعوا أحداً من أنْ يقول ما يعرف وما يعتقد، وقد كانت الحرية عامة، وكان المسلمون على جانب عظيم من الجُرأة في الحق، حتى إنَّ بعض النساء كُنَّ يُنَاقِشْنَ الخلفاء وَيَسْتَدْرِِكْنَ عليهم، والتاريخ يشهد بهذا، ولو كان أبو هريرة غير صادق في خبره لانبرت ألسنة الحق تُقَوِّمُهُ وتَرُدُّهُ إلى الصواب، وقد كان في الأمَّة أكابر الصحابة وعلماؤهم مِمَّنْ اعتزلوا الفتن، فلم يرد قط رَدَّ أحد منهم على أبي هريرة، وأكثر من هذا لم ينفرد أبو هريرة برواية هذا الخبر، بل رواه كثيرون، حتى إنَّ ابن سعد عندما يروي ذلك يقول (قالو) (1) وقد رواه ابن عمر (2) وأبو جعفر محمد بن علي - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - (3) وغيرهم، فهل هؤلاء جميعاً وضعوا الخبر تقرُّباً إلى أولياء الأمور!!؟ وأكثر من هذا اعتراف الإمام عليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بولاية أبي بكر العامة على الحج (4)، أفبعد هذا يحاول امرُؤٌ أنْ يقلب الحقائق ويُحَرِّفَ النصوص، ويطعن في أكابر الصحابة وفي علمائهم!!؟
__________
(1) " طبقات ابن سعد ": 2: 1/ 120.
(2) " طبقات ابن سعد ": 2: 1/ 125.
(3) " سيرة ابن هشام ": 4/ 203. وانظر " تاريخ الطبري ": 2/ 382.
(4) انظر " سيرة ابن هشام ": 4/ 203، و " تاريخ الطبي ": 2/ 382.

الصفحة 193