كتاب أبو هريرة راوية الإسلام

فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ". قَالَ: إِمَّا إِذًا فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ» (1). وفي رواية قال له عمر: «حَدِّثْ الآنَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شِئْتَ» (2)، وفي رواية: «أَمَا لِي، فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ» (3)، ونحن نرى في كل هذا أنَّ عمر لم يطعن في أبي هريرة، ولو أنه اتَّهمه كما ادَّعى النظَّام وغيره، لكان قال له: (لتتركن الكذب على رسول الله)، ولكنه لم يقل ذلك، وكل ما صدر عن أمير المؤمنين إنما كان من باب سياسته في تطبيق منهجه في التثبُّت في السُنَّة والإقلال من الرواية.

وأبو هريرة نفسه يروي تطبيق الفاروق لمنهجه، إلاَّ أنَّ أَبَا رِيَّة وأستاذه عَبْدَ الحُسَيْن لم ينقلا النص الكامل لروايته فَبَدَتْ مُشَوَّهَةً وخاصة عند أبي رِيَّةَ ص [163] إذ يقول: «ومن أجل ذلك كثرت أحاديثه بعد وفاة عمر وذهاب الدرة إذ أصبح لا يخشى أحداً بعده»، ومن قوله في ذلك: «إِنِّي أُحَدِّثُكُمْ بِأَحَادِيثَ لَوْ حَدَّثْتُ بِهَا زَمَنَ عُمَرَ لضَرَبَنِي (4) بِالْدُرَّةِ» - وفي رواية - «لَشَجَّ رَأْسِي». وعن الزُهري عن أبي سلمة: سمعت أبا هريرة يقول: «مَا كُنَّا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَقُولَ: قَالَ رَسُولُ الْلَّهِ حَتَّىَ قُبِضَ عُمَرُ!» ثم يقول: «أَفَكُنْتُ مُحَدِّثُكُمْ بِهَذِهِ الأَحَادِيْثِ وَعُمَرُ حَيٌّ؟ أَمَا وَاللَّهِ إِذَنْ لأَيْقَنْتُ أَنَّ الْمَخْفِقَةٍ سَتُبَاشِرُ ظَهْرِي فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: " اشْتَغَلُوا بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ "».

لم ينقل أَبُو رِيَّة إلاَّ ما يفيده في إثباب رأيه في أبي هريرة، وترك ما ينقض كلامه ورأيه. فقد ذكر ابن كثير بعد قول أبي هريرة: «حَتَّىَ قُبِضَ عُمَرُ» رواية عن الزُهري، فيها قال: قال عمر: «أَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ الْلَّهِ - صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ فِيمَا يُعْمَلُ بِهِ» قال: ثم يقول أبو هريرة: «أَفَكُنْتُ مُحَدِّثُكُمْ بِهَذِهِ الأَحَادِيْثِ وَعُمَرُ حَيٌّ؟» إلخ، ثم قال: وَلِهَذَا لَمَّا بَعَثَ أَبَا مُوسَى إِلَى الْعِرَاقِ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا لَهُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ دَوِيٌّ بِالْقُرْآنِ
__________
(1) " البداية والنهاية ": ص 107، جـ 8. و " سير أعلام النبلاء ": ص 434، جـ 2.
(2 و 3) ابن عساكر: ص 487، جـ 47.
(3) هذه الأخبار جميعها وأمثالها ساقها أبو القاسم البلخي في كتابه " قبول الأخبار ومعرفة الرُواة " للطعن في أبي هريرة فلم يفلح، انظر: ص 57 - 58 وبعضها ضعيف وبعضها لا إسناد له.

الصفحة 214