كتاب أبو هريرة راوية الإسلام

بعد كل هذا هل من سبيل لاتِّهام أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -؟ أيتَّهِمُُهُ الكاتب لأنه روى بكل أمانة ما سمعه من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما سمع غيره وروى!!؟

أصبح واضحاً لكل ذي لُبٍّ أنَّ الطعن في أبي هريرة مقصود لذاته، وفي سبيل توهين السُنَّة وزعزعة ثقة الناس برُواتها ... وكل هذا لا يستقيم على منهج البحث، ولن يتحقَّق شيء منه لمن أبغض الصحابة إشباعاً لميله وهواهُ ...

لم يبق لإنكار الكاتب هذا الحديث على أبي هريرة، أم أنه ينكره لضخامة الشجرة، أو لسير الراكب مائة عام في ظلها؟ أم أنه أنكر عليه كل هذا لأنه لم يعهد في حياته مثلها؟.

هل يريد الكاتب أنْ ينفي كل ما لم يتصوَّره عقله وتفكيره؟ إنْ أراد هذا وجب عليه أنْ ينفي كثيراً من المخترعات التي نسمع بها ولا نراها، أو ينفي كثيراً مِمَّا جاء في القرآن الكريم. بل عليه أنْ يترك جانباً عظيماً من اللغة العربية، ذلك لأنَّ بعض ما جاء في السُنَّة من ألفاظ وعبارات، إنما جاء على نسق وسُنن ما حكاه القرآن الكريم من عبارات سِيقَتْ من باب المجاز لا من باب الحقيقة، تخاطب الإحساسات النفسية والنفوس البشرية لتتصوَّر عظمة ما يمثله القرآن الكريم من الثواب والعقاب ... لذلك وجب علينا أنْ نصرف الألفاظ والعبارات التي لا تطابق الحقيقة إلى المجاز، فللعدد معنى خاص لا يتناول غيره، وقد أجمع المُفسِّرون على أنَّ بعض ما ذكره من الأعداد في القرآن الكريم إنما جاء لا للحصر، وكذلك ما جاء في السُنَّة - في مثل هذا المقام - من العبارات الكثيرة التي لا تتناول حقيقة العدد. وهنا إنما ورد للتكثير وبيان إتساع ذلك الظل الذي أعدَّهُ الله تعالى للمؤمنين، فمن الخطأ أنْ يجعل المؤلف الحقيقة والواقع ميزاناً لتلك الألفاظ التي وردت من باب المجاز، لأنه في ذلك سيجانب القواعد المُسَلَّمَةَ في اللغة، ويقع معها في أخطاء فادحة، لا يقرُّهُ عليها أحد، ويلزم من هذا عدم فائدة الاستعارات والكنايات، والمجازات العقلية، التي

الصفحة 250