كتاب أبو هريرة راوية الإسلام

فبعد أنْ تكلم الدكتور عن الكتاب وموضوعه وجهود مؤلفه قال (1): «وهذا كله سجله المؤلف في كتابه ولكنه لم يبتكره من عند نفسه وإنما هو شيء كان المُتقنون من علماء المسلمين يقولونه ويُذيعونه في كتبهم كما فعل ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما ... »

ولكن المؤلف مع ذلك قد أسرف على نفسه في بعض المواطن، ولست أريد أنْ أذكر هذه المواطن كلها للإسراف في الإطالة، وإنما أكتفي بضرب الأمثال: فمنها مثلاً هذه المؤامرة التي دُبِّرَ فيها مقتل عمر بن الخطاب - رَحِمَهُ اللهُ -، وشارك فيها كعب الأحبار وهو يهودي أسلم أيام عمر، والرُواة يُحَدِّثُونَنَا بأنَّ كعباً هذا أنبأ عمر بأنه مقتول في ثلاث ليالٍ، فلما سأله عمر عن ذلك زعم أنه يجده في " التوراة "، فدهش عمر لأنَّ اسمه يذكر في " التوراة " ولكن كعباً أنبأه بأنه لا يجد اسمه في " التوراة " وإنما يجد صفته. ثم غدا عليه في اليوم الثاني لهذا الحديث فقال له: بقي يومان. ثم غدا عليه في اليوم الثالث فقال له: مضى يومان وبقي يوم وإنك مقتول من غد، فلما كان الغد في صلاة الصبح أقبل ذلك العبد الأعمى فطعنه وهو يُسَوِّي الصفوف للصلاة، والمؤلف يؤكِّد أنَّ عمر إنما قتل نتيجة لمؤامرة دَبَّرَهَا الهُرْمُزَانُ وشارك فيها كعب، ويؤكد أنَّ هذه المؤامرة ثابتة لا يشك فيها إلاَّ الجهلاء.

وأريد أنْ أؤكِّدَ أنا للمؤلف أني أنا أحد هؤلاء الجُهلاء، لأني أشك في
__________
= أخطاء فادحة، وطعون صريحة، مِمَّا يدخل الشك في نفوس الذين لم يؤتوا نصيباً كافياً من الاطلاع على هذا العلم العظيم الواسع.
فقد نشرت مجلة (روز اليوسف) في عددها 1722 - السَنَة السادسة والثلاثون - (يوم الاثنين 12 يونيو سَنَة 1961) مناقشة لأبي رِيَّةَ مع أحد مُحَرِّرِيهَا، تحت عنوان (العقل والدين). تدور تلك المناقشة حول ما جاء في كتاب أبي رية والأحاديث النبوية، وقد طعن في السُنَّةِ على الملأِ وفي كتب الصحاح، وفي تدوين السُنَّةِ، فأعطى صورة مُشَوَّهَةً لتاريخ السُنَّةِ ورجالها، وهاجم أبا هريرة، وأقل ما قاله فيه: إنه هو الذي أفسد الحديث، وإنه لم تكن له أيَّة مكانة في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء الأربعة، وادَّعَى أنَّ بعض الأحاديث تتنافى مع العقل والقرآن والعلم، وشهد الله أني لولا الإطالة، لأَثْبَتُّ كلمته، وبَيَّنْتُ فِرْيَتَهُ.

(1) " جريدة الجمهورية "، عدد الثلاثاء، 25 نوفمبر (تشرين الثاني) سَنَةَ 1958، تحت عنوان " أضواء على السُنَّةِ المحمدية ".

الصفحة 252