كتاب أبو هريرة راوية الإسلام

الهنات» (1) التي أشرت إلى بعضها، فالذين يبرؤون من النقص والتقصير أو الهفوات أحياناً لا يكادون يوجدون، وصدق بشار حين قال:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظئمت وأي الناس تصفو مشاربه
طه حسين

...

وأختم البحث بكلمة لابن خزيمة (2) يدافع فيها عن أبي هريرة ويبيِّنُ أصناف الطاعنين فيه، فتظهر من خلالها منزلة أبي هريرة ومكانته، وفي هذا مسك الختام.
قال ابن خزيمة: «وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ لِدَفْعِ أَخْبَارِهِ مَنْ قَدْ أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ فَلاَ يَفْهَمُونَ مَعَانِيَ الأَخْبَارِ:
- إِمَّا مُعَطِّلٌ جَهْمِيٌّ يَسْمَعُ أَخْبَارَهُ الَّتِي يَرَوْنَهَا خِلاَفَ مَذْهَبِهِمُ - الَّذِي هُوَ كَفْرٌ - فَيَشْتُمونَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَيَرْمُونَهُ بِمَا اللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَزَّهَهُ عَنْهُ تَمْوِيهًا عَلَى الرِّعَاءِ وَالسَّفِلِ، أَنَّ أَخْبَارَهُ لَا تَثْبُتُ بِهَا الْحُجَّةُ؟
- وَإِمَّا خَارِجِيٌّ، يَرَى السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ يَرَى طَاعَةَ خَلِيفَةٍ، وَلاَ إِمَامٍ إِذَا سَمِعَ أَخْبَارَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَ مَذْهَبِهِمُ الَّذِي هُوَ ضَلاَلٌ، لَمْ يَجِدْ حِيلَةً فِي دَفْعِ أَخْبَارِهِ بِحُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ كَانَ مَفْزَعُهُ الْوَقِيعَةَ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ!.
__________
(1) أو بعد هذه الهنات لا بأس عليه!!؟.
لقد أراد الدكتور طه حسين أنْ يُضَمِّدَ الجروح التي أحدثتها بعض سهام نقده، ويُكَفْكِفَ من دموع أبي ريَّةَ، ويُخَفِّفَ من آلامه، بعد أنْ أصابه في صميم فؤاده، وبَيَّنَ خطأه في لُبِّ موضوعه، بل في مخ عظمه، لقد أراد أنْ يمسح على رأسه بشيء من أدبه الرقيق اللطيف كعادته، ولكن أَنَّى يكون هذا؟؟ وأي شيء يجديه وقد كثرت الطعنات، ونزفت الدماء!!؟.
(2) هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي (223 - 311 هـ)، أحد مشايخ شيوخ الحاكم. كان إمام نيسابور في عصره، جمع بين الفقه والاجتهاد، عالم بالحديث، رحل إلى بلاد كثيرة منها: العراق والشام والجزيرة ومصر، لقبه السبكي بإمام الأئمة، له مصنَّفات كثيرة تربو على [140]: " طبقات ابن السبكي ": 2/ 130.

الصفحة 256