كتاب أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي ت الشوامي

تَبْدِيلَه من تلقاء نفسه.
وقوله: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي}: بيانُ ما وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ لا يَنْسَخُ كِتَابَ اللهِ إلا كِتَابُه، كما كان المُبْتَدِئَ لِفَرضِه، فهو المُزِيلُ المُثْبِتُ لِمَا شَاء مِنه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ولا يكونُ ذَلِك لأحدٍ مِن خَلْقِه.
وكذلك (¬١) قال: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩].
قيل يَمحُو فَرْضَ مَا يَشَاء (¬٢)، وهذا يشبه ما قيل، واللَّهُ أَعْلَم.
وفي كتاب الله دلالة عليه؛ قال الله - عز وجل -: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦].
فأخبر الله - عز وجل - أَنَّ نَسْخَ القُرآنِ، وتَأْخِيرَ إِنْزَالِهِ: لا يَكُونُ إلا بِقُرْآنٍ مِثْلِه. وقال: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} [النحل: ١٠١].
وهكذا سُنَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ لا يَنْسَخُها إلا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬٣).
وبسط الكلام فيه.
قال الشافعي: «وقد قال بعض أهل العلم- في قوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} - واللَّهُ أَعْلَم- دلالةٌ عَلى أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ لِرسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنْ يقولَ مِن تِلْقَاء نَفسِهِ بِتَوفِيقِه فيما لَم يُنزِل به كِتابًا، واللَّهُ أَعْلَم» (¬٤).
---------------
(¬١) في «د»، و «ط» (ولذلك).
(¬٢) زاد هنا في «الرسالة» (ويثبت فرض ما يشاء).
(¬٣) «الرسالة» (ص ١٠٦: ١٠٨).
(¬٤) «الرسالة» (ص ١٠٧).

الصفحة 81