كتاب شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي

غيرهما فإنك ستجدُ أن تلك التفاسير أطول من تفسيره بكثير، وأن طريقتَها في التصنيف الاستيعابُ والاستطرادُ، وهي خلافُ طريقة ابن جُزي الذي عَمَد إلى الاختصار، فالاستطرادات عنده قليلة بالنسبة للكمِّ الذي كتبه في هذا التفسير؛ لذا يصح أن يطلق عليه: التفسير الوجيز الجامع، فهو جامع للأقوال مع وجازة العبارة.
قوله: (قصدت فيه أربع مقاصد) هنا فائدة مهمة وهي أنه يحسن بنا أن نعرف مقاصد المؤلفين في تآليفهم، فابن جزي ألف كتابه هذا لمقاصد أربع ذكرها، وكان قد سبق أن أشار إلى مقصد عام، وهو أن ينخرط في سلك المفسرين.
وهذه المقاصد الأربعة التي نصَّ عليها تُعدُّ خطة العمل التي أراد ابن جُزيٍّ أن يقوم عليها كتابه، فكأنه يقول: إن هذه المقاصد ستكون موجودة في كتابه (¬1).
فالمؤلف أراد أن يحقق أربع فوائد وهي: (الفائدة الأولى: جمع كثير من العلم في كتاب صغير الحجم؛ تسهيلاً على الطالبين، وتقريباً على الراغبين) وهذه الفائدة تتعلق بقضية الإيجاز؛ أي: أنه قصد أن
¬_________
(¬1) فائدة في دراسة منهج المفسر:
حينما يريد الباحث أن يدرس منهج مفسِّر، والمفسِّر قد نصَّ على خطة عمله في مقدمة التفسير ـ كما فعل ابن جُزيٍّ، فإنه سيحاكمه إلى مقاصده في تأليف كتابه، ولا يصحَّ ـ كما يقع من بعض الباحثين ـ أن نحاكمه إلى مقاصد أخرى لم ينصَّ عليها، وهذه قاعدة علمية يجب على الباحث أن ينتبه لها، فيقف مع مقاصد المؤلف وشرطه في كتابه دون أن يفتعل عليه غيرها ويحاكمه إليها، فإذا قال المؤلف ـ مثلاً ـ: «اشترطت في كتابي هذا أن أذكر رواية من روايات المذهب»، وأطلق فلا يجوز أن يأتي إنسان ويقول: «من عيوب المؤلف أنه يذكر روايات ضعيفة في المذهب»؛ فهذا الاستدراك غير صحيح؛ لأن المؤلف لم يشترط أن يميز الصحيح والضعيف، وإنما اشترط على نفسه أن يذكر رواية في المذهب، فإذا لم يذكر رواية من روايات المذهب وذكر رواية من روايات مذهب آخر فإنه يقال: إنه خالف شرطه، فذكر من غير روايات المذهب مع وجود رواية في المذهب.

الصفحة 13