كتاب أصول النحو 2 - جامعة المدينة
فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: إنما فُعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا، ولسبب كذا وكذا، سنحت له، وخطرت بباله محتملة لذلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار. وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة، إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك، فإن سنح لغيري علة لما عللته من النحو هو أليق مما ذكرته بالمعلول فليأتِ بها. قال الزجاجي: وهذا كلام مستقيم، وإنصاف من الخليل -رحمة الله عليه"، انتهى.
نشأة العلة النحوية في القرنين الأول والثاني
إن الحديث عن نشأة العلة النحوية يعني: الحديث عن نشأة قواعد اللغة العربية، فقد أجمع الرواة والمؤرخون على أن العلة النحوية رافقت نشأة النحو، ووُلدت مع ولادته. ومن ثَمَّ رأيناهم لا يفصلون بينهما، ويعدونهما منطلقًا واحدًا، وإن أكبر شاهد على هذا كتاب سيبويه، وهو أول كتاب في النحو وصل إلينا، فجميع ما أُلِّف قبله في هذا الفن لم يلق رعاية، ولم يصادف اهتمامًا فضاع واندثر قبل أن يصل إلينا منه شيء.
وقد شغل ذلك الكتاب العلماء قديمًا وحديثًا، فأقبلوا عليه مفتونين به يوضحون غرائبه، ويحلون مشكلاته، ويدرسون مسائله، ويشرحون شواهده، ويضعونه موضع التقدير والإجلال؛ حتى كان المبرد يقول لمن أراد أن يقرأه عليه: "هل ركبت البحر؟ "، تعظيمًا له وتقديرًا لما حواه بين دفتيه من جمع ما تفرق من أقوال المتقدمين من علماء القرن الثاني الهجري، الذين اعتمدوا في بناء آرائهم على مشافهة العرب الخلص في البوادي، كأبي الأسود الدؤلي المتوفى سنة تسع وستين
الصفحة 10
338