كتاب أصول النحو 2 - جامعة المدينة
قال ابن جني معلقًا: "أفتراك تريد من أبي عمرو وطبقته، وقد نظروا، وتدربوا، وقاسوا، وتصرفوا أن يسمعوا أعرابيًّا جافيًا غفلًا يعلل هذا الموضع بهذه العلة، ويحتج لتأنيث المذكر بما ذكره -يعني: بالحمل على المعنى- فلا يهتاجوا هم لمثله، ولا يسلكوا فيه طريقه، فيقولوا: فعلوا كذا لكذا، وصنعوا كذا لكذا، وقد شرع لهم العربي ذلك، ووقفهم على سمته وأَمّه". انتهى. يعني ابن جني أن العلة النحوية قد نشأت فطرية عند العرب الأقحاح، وأن العرب قد أرادت من العلل والأغراض ما نسبه هؤلاء النحويون المتقدمون إليها، وما حملوها عليه؛ نتيجة لمشافهتهم للعرب ووقوفهم على طبائعهم وأوضاعهم.
والأمر الآخر الذي نشير إليه ونؤكد عليه: ما سبق أن ذكرناه من أن التعليل النحوي قد نشأ مرافقًا ومصاحبًا لنشأة قواعد العربية، كما أجمع عليه صفوة العلماء الأجلاء. وبناء على ذلك نرى أن بواكير التعليل قد نشأت مع وضع الأسس الأساسية للنحو العربي، أعني: مِن أول وضع الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- هذه الأسس قُبيل مقتله -رحمه الله تعالى- في السابع عشر من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، أو من أول وضع أبي الأسود الدؤلي لبعض الأبواب النحوية، بإشارة من الإمام علي -رضي الله عنه، وكرم الله وجهه.
وعلى أية حال فلسنا هنا في معرض الحديث عن وضع علم النحو، أو عمن وضع علم النحو، لكنا نرى أن التعليل النحوي نشأ قرين وضع القواعد النحوية، أو قرين الاهتمام بالإعراب ومحاربة اللحن، ولكنه كان -كما قيل- كأي علم آخر يبدأ عفويًّا فطريًّا مختلطًا بغيره إلى أن تثبت جذوره في الأرض، ويستقل عن غيره، ويصبح علمًا قائمًا بذاته، وإلا كيف كان أبو الأسود أول من ضبط المصحف ووضع العربية، كما قال ابن حجر في (الإصابة)، وعلى أي
الصفحة 12
338