كتاب أصول النحو 2 - جامعة المدينة

تأليفه في النحو إلى الترفع بنفسه وبقدره، بعد أن سُبق إلى التأليف فيه، فكره أن يكون لمن تقدمه تاليًا، وعلى نظر من سبقه محتذيًا، واكتفى في ذلك بما أوحى إلى سيبويه من علمه، ولقنه من دقائق نظره، ونتائج فكره، ولطائف حكمته؛ فحمل سيبويه ذلك عنه وتقلده، وألف فيه (الكتاب) الذي أعجز من تقدم قبله، كما امتنع على من تأخر بعده.
أما واسطة العقد ودُرة تاج العربية وإمام النحو والنحاة، فهو عمرو بن عثمان بن قنبر بفتح القاف أو قُنبر بضمها وسكون النون مع فتح الباء، وضبطه الزبيدي في (تاج العروس) مادة قنبر بضم ففتح فسكون، وكنيته أبو بِشر، وأبو الحسن، وأبو عثمان، ولقبه سيبويه، وهي كلمة فارسية تتكون من سيب بمعنى التفاح، وويه بمعنى الرائحة، فمعنى التركيب كما قيل: رائحة التفاح. ويعللون هذا التلقيب بأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحتان، وكان غاية في الجمال، وقيل؛ لأن من يلقاه كان لا يزال يشم منه رائحة التفاح.
وقد وصل كتاب سيبويه إلى درجة من النضج لم يصل إليها كتاب في النحو قبله، ولن يبلغها كتاب بعده، حتى قال أبو عثمان المازني: "من أراد أن يعمل كتابًا كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحيِ مما أقدم عليه"، ولم يكتف سيبويه في (الكتاب) بجمع آراء الخليل وغيره من النحاة الأولين الذين شافهوا العرب الخلص فحسب، بل كان يناقش هذه الآراء بثاقب فكره وصائب رأيه، وقوة حجته، وغزارة مادته التي جمع الكثير منها عن طريق مشافهته العرب في البوادي، وقد حفل كتاب سيبويه بالمسموع من العرب، كما تكثر التعليلات فيه كثرة لافتة للنظر، فلا يكاد يترك حكمًا من غير تعليل، وهو لا يعلل فقط لما كثر في ألسنتهم، واستنبطت على أساسه القواعد؛ بل يعلل أيضًا لما يخرج على تلك

الصفحة 15