كتاب أصول النحو 2 - جامعة المدينة

قد خطر له وانتزع من علل هذا العلم ثلث جميع ما وقع لجميع أصحابنا، فأصغى أبو بكر إليه، ولم يتبشع هذا القول عليه" انتهى.
وقال ابن جني معبرًا عن شديد إعجابه بأقيسة شيخه وعلله قال: "ولله هو، وعليه رحمته، فما كان أقوى قياسه، وأشد بهذا العلم أنسه، فكأنه إنما كان مخلوقًا له، وكيف كان لا يكون كذلك، وقد أقام على هذه الطريقة مع جِلَّة أصحابها وأعيان شيوخها سبعين سنة، زائحة علله، ساقطة عنه كلفه، وجعله همه، وسَدَمه، لا يعتاقه عنه ولد، ولا يعارضه فيه متجر، ولا يسوم به مطلبًا، ولا يخدم به رئيسًا، إلا بأخرة، وقد حط من أثقاله، وألقى عصا ترحاله" انتهى.
وعن احتفاء أبي علي بالقياس يقول عنه تلميذه ابن جني: "قال لي أبو علي -رحمه الله- بحلب سنة ست وأربعين: أخطئ في خمسين مسألة في اللغة، ولا أخطئ في مسألة واحدة في القياس". أما ابن جني: فهو أبو الفتح عثمان بن جني، وكان أبوه جني روميًّا يونانيًّا، وكان مملوكًا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي، ولد بالموصل وتلقى عن علمائها، وتوفي ببغداد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة من الهجرة، يقول عنه سعيد الأفغاني في كتابه (في أصول النحو): "أما إذا وصلنا إلى ابن جني فقد تبوأنا ذروة القياس، لقد كان أعلى علماء العربية كعبًا في جميع عصورها، وأغوصهم عامة على أسرار العربية، وأنجحهم في الاهتداء إلى النظريات العامة فيها، وكتابه (الخصائص) لا يزال محط إعجاب علماء العرب والغرب على السواء".
ويرى الدكتور مازن المبارك أن ابن جني وقف أمام علل النحو وقفة طويلة يدرس ويصف، ويحلل ويصنف، فأتى بما لم يسبق إليه من قبل، وما لم يلحق فيه من بعد. إن اهتمامه بالعلة أمر لافت للأنظار، مثير للإعجاب، ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على العناوين التي تقرب من عشرين عنوانًا، والتي تضمنت بحوثًا عن

الصفحة 51