كتاب أصول النحو 2 - جامعة المدينة

العلة في كتاب (الخصائص) بأجزائه الثلاثة؛ لنتبين مدى هذا الاهتمام الفائق وتلك العناية الرائعة بأمر العلة النحوية.
لقد كان هم أبي الفتح في كتاب (الخصائص) كما أوضح محقق الكتاب -طيب الله ثراه- كان همه إظهار حكمة العرب وسداد مقاصدهم فيما أَتَوا في لغتهم، وكان ذلك بإبداء العلل لسننهم، وخططهم في تأليف لسانهم؛ فأخذ نفسه في تقوية العلل التي تُنسب إلى أفعالهم، وتحمل عليهم، وهو ما يقوم به النحويون، وكان من دواعي ذلك وأسبابه ما اشتهر بين الناس من ضعف علل النحو، فهذا ابن فارس يقول:
مرت بنا هيفاء مجدولة ... تركية تنمى لتركي
ترنو بطرف فاتر فاتن ... أضعف من حجة نحوي
فغاية ابن جني -رحمه الله تعالى- إذن أن يُبين حكمة العرب في لغتهم، وأن يرد على من ضرب بعلل النحويين المثل في الضعف، ولذلك عقد في الكتاب بابًا خاصًّا عنوانه: باب في الرد على من اعتقد فساد علل النحويين؛ لضعفه هو في نفسه عن إحكام العلة، وذكر فيه أن سبب هذا الاعتقاد أنه لا يعرف أغراض القوم، فيرى لذلك أن ما أوردوه من العلة ضعيف واهٍ ساقط غير متعال، وهو يدافع عن العلة النحوية التي توصل إليها حُذاق النحويين، ويبين فائدتها، فيخصص بابًا عنوانه: باب في أن العرب قد أرادت من العلل والأغراض ما نسبناه إليها، وحملناه عليها، ويقول فيه: "اعلم أن هذا موضع في تثبيته وتمكينه منفعة ظاهرة، وللنفس به مسكة وعصمة؛ لأن فيه تصحيح ما ندَّعيه على العرب من أنها أرادت كذا لكذا، وفعلت كذا لكذا، وهو أحزم لها، وأجمل بها، وأدلُّ على الحكمة المنسوبة إليها من أن تكون تكلفت ما تكلفته من استمرارها على وتيرة واحدة، وتقريها منهجًا واحدًا، تراعيه وتلاحظه، وتتحمل لذلك مشاقه، وكُلفه، وتعتذر من تقصير إن جرى وقتًا منها في شيء منه".

الصفحة 52