كتاب الأدب المقارن - جامعة المدينة (ماجستير)

وهناك موضوع آخر هام جدًّا يتصل بتلك النقطة، ألا وهو عدم فهم المترجمين والشراح العرب لما قاله أرسطو في كتابه (الشعر) عن الملهاة والمأساة في عالم الإبداع المسرحي، إذ جاء في شرح ابن سينا لذلك الكتاب عن أنواع الشعر عند الإغريق ما يلي: وكان لكل غرض وزن يختص به، فمنها نوع يسمى طراغوزيا له وزن لذيذ يتضمن ذكر الخير والأخيار والمناقب الإنسانية، ثم يضاف جميع ذلك إلى رئيس يراد مدحه، وكانت الملوك يغنَّى بين أيديهم بهذا الوزن، وربما زادوا فيه نغمات عند موت الملك للنياحة والمرثية، ومنها نوع يسمى دثرمبي وهو كترغوزيا، ما خلا أنه لا يخص به مدحة إنسان واحد، أو أمة معينة، بل الأخيار على الإطلاق، ومنها نوع يسمى قوموزيا، وهو نوع تذكر فيه الشرور والرذائل والأهاجي، وربما زادوا فيه نغمات؛ ليذكروا القبائح التي يشترك فيها الناس وسائر الحيوان.
أما ابن رشد فقد استخدم لهذين المفهومين -أي: مفهومي التراجيديا والكوميديا- مصطلحي مديح وهجاء، مما لبس الأمر على القراء والمثقفين العرب طوال تلك العصور إلى أن أعدنا النظر في العصر الحديث إلى الإبداع المسرحي عند الإغريق، وتنبهنا إلى الغلطة التي وقع فيها هذان المفكران العظيمان؛ لعدم وجود نص مسرحي مترجم يمكن على نوره فهم الكلام النظري، الذي خلفه أرسطو في ذلك الموضوع.
وقد نقل ياقوت الحموي في مقدمة (معجم الأدباء) عن جاحظنا قوله: عيوب المنطق التصحيف وسوء التأويل، والخطأ في الترجمة، فالتصحيف يكون من وجوه من التخفيف والتثقيل، ومن قبل الإعراب ومن تشابه صور الحروف، وسوء التأويل من الأسماء المتباطئة أي: أنك تجد اسمًا لمعاني فتتأول على غير المراد، وكذلك سوء الترجمة.

الصفحة 55