كتاب الحديث الموضوعي - جامعة المدينة

قال: لا؟ قلت: فالشطر يا رسول الله؟ يعني: أتصدق بالنصف فقال: لا، قلت: فالثلث يا رسول الله؟ قال: الثلث، والثلث كثير، أو كبير؛ إنك إن تذر، ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس يعني يسألون الناس، وإنك لن تنفق نفقةٌ تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك، قلت: يا رسول الله، أُخَلَّف بعد أصحابي، قال: إنك لن تُخَلَّفَ فتعمل عملًا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، اللهم امضِ لأصحابي هجرتهم، ولا تردَّهُم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن مات بمكة)) الحديث متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) عند تعليقه على هذا الحديث: وكانوا يكرهون الإقامة في الأرض التي هاجروا منها، وتركوها يحبونها لله تعالى ويكرهون الإقامة فيها؛ لأنهم هاجروا منها، وأنها طردتهم، وطردت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمن ثم خشي سعد بن أبي وقاص أن يموت بمكة فتوجَّعَ، وشكى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي: رثى لسعد بن خولة؛ لكونه مات بمكة، وكان لا يحب سعد بن خولة أن يموت بها.
وفي الحديث دليل لجماهير العلماء على أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث، وقوله: يرثي له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن مات بمكة هو من كلام الإمام الزهري، وهذا حديث آخر في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام؛ إذ المسلم يقدم عليه مقدمًا نفسه فداء لدينه يقدم على أعداء الدين بنفسه يحارب ويقاتل؛ فإن لم يكن هذا القتال، وهذا الإقدام خالصًا لله تعالى رد على صاحبه فالرجل الذي يقاتل حمية، أي: أنفة وعزة وغيرة لقومه لا يقبل جهاده؛ لأنه ليس في سبيل الله،

الصفحة 19