كتاب السياسة الشرعية - جامعة المدينة

يقول: وإن لم يشرعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا نزل به وحي؛ فإن أردت بقولك -هذا ابن عقيل يقول -للطرف الآخر الذي يناظره-: إذا أردت بقولك لا سياسة إلا ما وافق الشرع -أي: لم يخالف ما نطق به الشرع- فصحيح، وإن أردت أنه لا سياسة إلا ما نطق به الشرع؛ فغلط، وتغليط لفعل الصحابة رضوان الله -تبارك وتعالى- عليهم.
إذن أراد ابن عقيل أن يقول له: إذا أردنا بكلمة لا سياسة إلا ما وافق الشرع، هل مقصود به -يعني: لا بد أن يكون منصوصًًا على حكمه أم لا.
والله إذا أردت بقولك: لا سياسة إلا ما وافق به الشرع -يعني: لا سياسة إلا ما نطق به الشرع، يعني: كان منصوصًًا عليه في الكتاب، أو السنة، أو الإجماع- هذا قول لا ينفع، وهذا قول لا نأخذ به إطلاقًًا؛ لأننا لو أخذنا بهذا القول بهذا المعنى، وهو أنه لا نأخذ شيئا إلا من الكتاب إلا إذا كان منصوصًًا عليه أو على حكمه في الكتاب، أو السنة.
كما قلنا- معنى ذلك أن شريعتنا سوف تكون جامدة، لماذا؟ لأنه -كما قلنا- مرارًًا أن نصوص الشريعة المتمثلة في الكتاب، والسنة متناهية، ومحدودة، أما وقائع الناس، والنوازل؛ فهي غير متناهية، وغير محدودة؛ ولذلك لو قلنا: إنه لا سياسة إلا ما وافق الشرع -يعني: ما نطق به الشرع؛ فهذا يؤدي إلى -يعني: أمور خطيرة للغاية، وإلى أن الشريعة ليست صالحة للتطبيق في كل زمان، وفي كل مكان، لكن لو أردنا بقولنا لا سياسة إلا ما وافق الشرع -يعني: لا سياسة إذا خالفت الشرع؛ فهذا جائز، لماذا؟ لأن المخالفة معناها المخالفة العامة لأحكام الشريعة، وكل سياسة شرعية ينبغي أن تكون في الإطار العام للإسلام -يعني: المبادئ العامة، والأحكام العامة، والقواعد الكلية للفقه الإسلامي.
إذن كل ما لا يخالف المبادئ العامة نأخذه، ولا شيء فيه، أما الذي يخالف المبادئ العامة؛ فلا نأخذه، وكيف نعرف أنه خالف المبادئ العامة، أم لم يخالفها، فكما -قلنا:- ننظر إليه من ناحية المصلحة، وعدم المصلحة، فإن كان فيه مصلحة؛ أبحناه، وإن كان فيه ضرر منعناه.

الصفحة 42