كتاب السياسة الشرعية - جامعة المدينة

مساوئها حدًا قاتلًا في مجتمع مكة، فالنظم الإسلامية التي تقررها التقوى، تستنكر المادية المرزولة التي اقترنت بالنظام القبلي في مكة، حيث الناس قد ألهاهم التكاثر بجمع المال، وعده وحبه حبًا جمًا مع سلبٍ لمال اليتيم، وعدم الحض على طعام المسكين، وإغراق في الموبقات، وإساءة إلى العلاقات الاجتماعية بين الأهل، والميل مع الهوى في معاملة الناس اقتصاديًا وأدبيًا. هذا هو ما كان عليه الحال في الجاهلية الحال في الجاهلية كان قائمًا على حب المال حب الثروة، ظلم القوي للضعيف، لكن جاءت التقوى لتبين أن الناس سواسية، وأنه لا فضل لإنسانٍ على آخر إلا بالتقوى، وأنه ليس هناك تمايز على أساس الحسب والنسب والثراء.
وأخذ الرسول الكريم يتلو الآيات القرآنية التي تحرم التنظيمات القبلية البالية، والتي تقرر مبادئ التقوى لتنظيم المجتمع الجديد وسعادة أفراده ورفاهيتهم قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام: 151 - 152).
وأكد الإسلام في نفس الوقت أن التقوى ومبادئها لا تعني داء الواجبات السالفة تظاهرًا، وإنما الهدم منها مرضات الله -تبارك وتعالى- يعني: مطلوب من المسلم عندما يؤدي هذه الفروض التي فرضها الله عليه أن يؤديها خالصة لوجه الله -تبارك وتعالى- {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (البينة: من الآية: 5) لا بد من الإخلاص في

الصفحة 57