كتاب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - جامعة المدينة

سماء الدنيا. قلنا: -أي الفخر الرازي-: إنما أطلق عليه لفظ الجمع؛ لأن كل قطعة منها سماء، واعلم: أن على هذا التأويل يجوز حمل الرؤية على الإبصار.
ورابعها: قول أبي مسلم الأصفهاني: يجوز أن يُرَادَ بالفتق الإيجاد، والإظهار كقوله: {فَاطِرِ السموات وَالْأَرْضِ} (فاطر: 1) وكقوله: {قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السموات وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} (الأنبياء: 56) فأخبر عن الإيجادِ بلفظِ الرتق، وعن الحال قبل الإيجاد بلفظ الرتق، أقول -أي: الفخر الرازي-: وتحقيقه أن العدمَ نفيٌ محضٌ، فليس فيه ذوات مميزة، وأعيان متباينة، بل كأنه أمرٌ واحد متصل متشابه، فإذا وجدت الحقائق فعند الوجود والتكون يتميز بعضها عن بعض، وينفصل بعضها عن بعض، فبهذا الطريق حسن جعل الرتق مجازًا عن العدم والفتق عن الوجود.
وخامسها: أن الليل سابق على النهار لقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} (يس: 37) وكانت السموات والأرض مظلمة أولًا ففتقهما الله بإظهار النهار المبصر، فإن قيل+: فأي الأقاويل أليق بالظاهر+؟ قلنا: الظاهر يقتضي أن السماء على ما هي عليه، والأرض على ما هي عليه كانتا رتقًا، ولا يجوز +كونهما كذلك، +إلا وهما موجودان، والرتق ضد الفتق، فإذا كان الفتق هو المفارقة، فالرتق يجب أن يكون هو الملازمة، وبهذا الطريق صار الوجه الرابع والخامس مرجوحًا، ويصير الوجه الأول أولى الوجوه، ويتلوه الوجه الثاني: وهو أن كل واحد منهما ++رتق ففتقهما بأن جعل كل واحد منهما سبعًا. ويتلوه الثالث: وهو أنهما كانا صُلْبَيْنِ من غير فطورٍ ففتقهما؛ لينزل المطر من السماء، ويظهر النباتُ على الأرض". هذا ما قاله الفخر الرازي في تفسيره الكبير المسمى بـ (مفاتح الغيب) جزء 22 صـ 162، 163.

الصفحة 114