كتاب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - جامعة المدينة

تُعرف قط إلا في زماننا هذا؛ فإن تحليل الضوء والعلم بأنه مختلط والاطلاع على عالم الأرواح الناقصة، وأنها مضطربةٌ لم يكن إلا في زماننا وهذا من أعاجيب القرآن التي لا تُدرَكُ إلا بقراءةِ العلومِ، وليس يعقلها الناسُ بفن البلاغة المعروف، فلا أصحاب المعلقات يدركونها، ولا الذين بعدهم يعلمونها، فهل لمثل امرئ القيس، أو لأبي العلاء، أو المتنبي أن يتناولوا هذه المعاني في أقوالهم؟ كلا. فهذه البلاغة لا تخطر ببالهم، وأنى لهم علمُ الروح حتى يخصصوها بلفظ "مارج"، وعند إنزال العذاب يذكرون الشواظ".
ومثلًا في سورة الزلزلة نجده يفسرها تفسيرًا لفظيًّا مختصرًا، ثم يذكر ما فيها من لطائف، مستعرضًا ما وقع من حوادث الزلزال في إيطاليا، وما وصل إليه العلم الحديث من استخراج الفحم، والبترول من الأرض، وما كَثُرَ في هذا الزمان من استخراج الدفائن من الأرض مثل: ما كُشف في مصر من آثار قدمائها. ثم يقول بعد ما يفيض في هذا وغيره: "ألست ترى أن هذه السورة، وإن كانت واردة لأحوال الآخرة تشير من طرف خفي إلى ما ذكرنا في الدنيا، فالأرض الآن كأنَّها في حالةِ زلزلة. وقد أخرجت أثقالها كنوزها وموتاها وغيرها، والناس الآن يتساءلون وها هم أولاء يُلهمون الاختراع وها هم أولاء مقبلون على زمان تنسيق الأعمال؛ بحيث تكون كل أمة في عمل يناسبها، وكل إنسان في عمله الخاص به، وينتفع به".
ومثلًا نجده بعد أن يفرغَ من تفسيرِ سورة الكوثر، وسورة الكافرون، وسورة النصر يذكر لنا بحثًا مستفيضًا عنوانه: تطبيق عام على سورة الكوثر والنصر وما بينهما، وفيه نجده يتأثر بنزعتِهِ التفسيرية العلمية إلى درجةٍ جعلته يُحَمِّلُ نصوص الشارع من المعاني الرمزية ما يُستبعد أن يكون مرادًا لَهَا، وذلك أنه يقرر أولًا: أن

الصفحة 42