كتاب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - جامعة المدينة

من البحث، والدراسة، وباستخدام أدق الآلات التي لم تصنع إلا في عصر الثورة الصناعية الحاضرة.
ولقد أشار القرآن إلى هذا النوع من الإعجاز، ووعد بإظهاره في قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: 53). إن البينة أقصد المعجزة القرآنية الموجودة بين أيدينا والباقية بعدنا إلى ما شاء الله تحمل الرسالة الإلهية إلى البشر، كما تحمل الدليل على صدق هذه الرسالة فهي الشاهد والمشهود عليه كما قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} (هود: 17). أي: أفمن كان على بينة من ربه كمن ليس كذلك، والبينة البرهان الذي يدل على الحق، والمعنى: ويتلو البرهان الذي هو البينة شاهد يشهد بصحته من القرآن أو من الله -عز وجل- والشاهد هو الإعجاز الكائن في القرآن أو المعجزات النبوية، والقرآن معجز بلفظه ومعناه؛ لأنه من عند الله فألفاظه إلهية ومعانيه وعلومه إلهية، وكل منها يدل على المصدر الذي جاء منه هذا القرآن، وهو بذلك أكبر دليل وشهادة بين أيدينا. قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام: 19).
فهو رسالة ومعجزة لمن نزل عليهم ولمن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة، وقد جعل الله العلم الإلهي الذي تحمله آيات القرآن هو البينة الشاهدة على كون هذا القرآن من عند الله. قال تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (النساء: 166) أي: أنزله وفيه علمه ففي هذه الآية بيان لطبيعة المعجزة العلمية التي نزلت ردًّا على إنكار الكافرين لنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- التي تبقى بين يدي الناس، وتتجدد مع كل فتح بشري في آفاق العلوم والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي.

الصفحة 75