كتاب الأديان الوضعية - جامعة المدينة

خلائق الظلام وهي شياطين الشر والفساد، فأحبطت سعي هرمز وملأت الكون بالخبائث والأرزاء، وران هذا البلاء على الكون، حتى كانت معركة زرادشت، فكان البشير بانتهاء زمان وابتداء زمان، ولكنه لم يختم صراع العدوين اللدودين، بل آذن بتحول النصر من صف إلى صف، وتراجع الشر والظلام عن مملكة الخير والنور، وسيدوم هذا الصراع اثني عشر ألف سنة، ينجم على رأس كل ألف منها بشير من بيت زرادشت، فيعزز جحافل هرمز ويوقع الفشل في جحافل أهرمن، وتنقضي المدة فينكث أهرمن على عقبيه مخلدا في أسفل سافلين، لا فكاك له أبد الأبيد، من هاوية الظلمات وسجن المذلة والهوان.
وتدل تسمية الإلهين دلالة واضحة، على انتقال فكرة الإلهية طبقة فطبقة، من صورة التجسيم إلى صورة التنزيه، فإن هرمز مأخوذ من أهورا بمعنى السيد، ومازدا بمعنى الحكيم، وأهرمن مأخوذ من أنجرو بمعنى السيئ وماينوش بمعنى الفكر والروح، والمعنيان معا من عالم الفكر المجرد أو القريب من التجريد، ثم أصبحت كلمة أور مزدا مرادفة لروح القدس، وكلمة أهرمان مرادفة لروح الشر أو روح الأذى والفساد. وقيل في مجمل الأساطير المجوسية: إن أهرمان إنما هو فكرة سيئة، خطرت على بال زروان فكان منها إله الظلام.
ويخيل إلينا أن زرادشت، كان خليقا أن يسمو بعقيدة المجوس، إلى مقام أعلى من ذلك المقام في التنزيه، وأن يسقط بأهرمن من منزلة الند إلى منزلة المارد المطرود، لولا أن وجود أهرمن كان لازما، لبقاء الكهانة الفارسية، في عهود المحن والهزائم التي منيت بها الدولة، وتجرعت فيها الأمة غصص الذل والانكسار، فلو قال الموابذة للمؤمنين بهرمز: إنه هو الإله المتفرد في الكون بالتصريف والتقدير، لكفروا بدينهم وحاروا في أمرهم، ولكنهم يكبرون من قوة أهرمن، ويجعلون

الصفحة 473