كتاب الأديان الوضعية - جامعة المدينة

نظر الهُنود الأوائل إلى الظواهر والقوى الطبيعية، نظرة إجلال وتقديس وشكر، كما اعتقدوا بأن لهذه الظواهر، أرواحًا ونفوسًا كامنة فيها تحركها وتسيرها، لذلك تقربوا من مظاهر الطبيعة وعبدوها، وقدموا إليها القرابين واعتبروها آلهة يمكن استرضائها ودعوتها، لمساعدتهم في حل مشكلاتهم ورفع الأسى والشقاء عنهم.
وكان لبعض الحيوانات كالأفعى والثعابين والبقرة، قداسة خاصة، ويمنعون أذيتها أو إزعاجها، هذا بالإضافة إلى القداسة المميزة، التي كانت للمياه النظيفة الصافية بشكل عام، ولمياه نهر الغانج بوجه خاص، واعتقد الهنود بأن مياه الغانج لها قدرة، على تخليصهم من خطاياهم وذنوبهم عند الاغتسال بمياهه، فجعلوه المظهر الأرضي للمطهر السماوي.
إن تقديس الهندوس لمظاهر الطبيعة، لم يحصل دفعة، إذ أن جمال المظاهر الطبيعية وعظمتها، هو الذي حرك فيهم الشعور الديني والإقبال عليها بكل عواطفهم، لدرجة أنهم صاروا إذا ما توجهوا، إلى واحدة من ظواهر الطبيعة غفلوا عن غيرها، وأطلقوا عليها أسمى الأوصاف وأجمل الأسماء، وألبسوها أفضل المعاني، ومع امتداد الزمن بدأ يتكون عندهم الشعور، بأن الآلهة تتفاوت في الرتبة والقوة والعظمة، وتنقسم إلى رؤساء ومرءوسين، حتى انتهوا إلى الاعتقاد، بوجود الإله الأعظم والأقوى، الذي لا يماثله غيره من الآلهة أو الموجودات.
غير أن فكرة التوحيد، الناتجة عن الشعور بضرورة إله أقوى وأعظم، سبقتها فكرة التثليث الإلهي، لقد جمع الكهنة الهنود آلهتهم في إله احد، أعطوه أعظم الصفات وأجلها وأقواها، وحصروا فيه القدرة على إخراج العالم إلى الوجود

الصفحة 62