كتاب الأديان الوضعية - جامعة المدينة

من ذاته ونفسه، وجعلوا قدرته تُهيمن على العالم وتحفظه أو تهلكه، لذلك اهتم الكهنة بثلاث صفات، هي الإيجاد والحفظ والتدمير أو الإلغاء، وأطلقوا على إلههم ثلاثة أسماء، فهو: "براهمة" من حيث هو موجد خالق للعالم، وهو "فشنو" من حيث هو حافظ للعالم وموجداته، وهو أيضًا "شيفا" المُهلك والمدمر للعالم وما فيه.
ومن هذه التعددية في الوحدة: الوحدة في الوجود، والتعددية في الأفعال والصفات، سوف تنصب فيما بعد الجهود البشرية، لفهم العلاقة بين العالمين الطبيعي والفائق للطبيعة العالم الإلهي.
وقبل طرح التعددية التثليث في الوحدة الإلهية، نظر الهنود كما تشير الفيدا، إلى ظاهر طبيعية ثلاث رئيسية، وجعلوا لكل ظاهرة إلهها الكامن فيها، فارونا إله السماء وهو فيها، وأندرا إله الهواء وقائم فيه، وأغنا إله الأرض أو التراب وساكن فيها، إن قيمة الآلهة الثلاثة "فارونا وأندرا وأغنا"، ودور كل واحد منها وقواها وتفريعاتها وصفاتها، خضعت لتقلبات عبر تطور الديانة الهندوسية، وتبلورت عبر فترة زمنية طويلة.
إن أسماء وأدوار الآلهة في أشعار الفيدا الأولى، تعود إلى أصول هندوإيرانية، الإله سوما يُقابله في الإيرانية الهوما، والسوما في الأصل شراب مقدس مسكر، كان يعد في احتفالات طقسية معقدة، وقد أطلق البراهمة على مليكهم شعب السوما، وخصصت الريجفيدا كتابًا كاملًا لتراتيل وأناشيد تعظم الإله "سوما"، وخضع الإله سوما لعملية توحد فيما بعد مع إله القمر، وحصرت فيه السيادة على القمر، والإشراف على نمو الغلال في الحقول الفسيحة، ونمو الأجنة في الأرحام الحيوانية والإنسية.

الصفحة 63