كتاب الأديان الوضعية - جامعة المدينة

هذا وترتكز الديانة البراهمانية، على أمرين اثنين متممين لبعضهم البعض:
الأول: الذات البراهمانية: التي تقول بتوحد الذات الفردية، مع الروح الأزلية السرمدية.
والثاني: التناسخ أو تقمص الروح أو تعدد الولادات للروح الواحدة.
وتسليط الضوء على هذين الأمرين، يفضي إلى الكشف عن مجمل المعتقدات الدينية البراهمانية.
براهمة تصوره نصوص "الأبيناشاد"، على أنّه الكَائِنُ المَوجود، الكائن الأقوى والأعظم، والمبدأ الميتافيزيقي للوجود الكائن، الذي يفوق في وجوده، ويتجاوز كل الأوصاف الممكنة في لغة البشر، والذي تحيط به أدق التحديدات التي يقدمها العقل، إنّه المَوجود الذي يعجز العقل عن وصفه وتحديده، وتعتبر البراهمانية المؤسس الحقيقي لمذهب الحلول الفلسفي، إذ تؤكد بأن براهمة كروح يحل في جميع الأشياء، ويتحد معها وهو قائم فيها، وبذلك يصبح للذات أو الأنا الشخصية المعبرة عن براهمة، مفهوما ميتافيزيقيا ينطبق على الذات والأنا البشرية، من جهة كونها المسكن للروح الكلية للعالم، والمنفتحة عليها في آن واحد، أي كون الروح الفردية تذوب في الروح الكلية يعني في براهمة.
وبراهمة أو الروح الكلية للعالم، يحل في جميع الموجودات ويتحد معها، وهي لذلك تأخذ معنى روحيا، وتكتسب قدسيتها وسموها الوجودي، واتحاد براهمة مع الموجودات، يكسبها معنى الأزلية والديمومة، ويجعلها في حالة سعي دائمة للترقي والارتفاع إلى المطلق، في عمليات تنقية مستمرة مما فيها من أدران المادة، لبلوغ التوحد الكامل مع براهمة الروح المطلق والذوبان فيه.

الصفحة 69