كتاب الأديان الوضعية - جامعة المدينة

الرئيس والآمر هو وحده رب الأرباب وإله الآلهة، وهذا وصف ثابت له لا ينتقل إلى سواه، والكائنات كلها تحت يده وسائر الآلهة تحت أمره".
التثليث في الفكر الهندي:
في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وصل فكر الكهنة الهنود إلى إبراز هذه النتيجة، التي تقرب من التوحيد أو تصل إليه؛ فقد جمعوا الآلهة في إله واحد، وقالوا: إ نه هو الذي أخرج العالم من ذاته، وهو الذي يحفظه ثم يهلكه ويرده إليه، وأطلقوا عليه ثلاثة أسماء: "فهو براهمة" من حيث هو موجد، وهو "فشنو" من حيث هو حافظ، وهو "سيفا" من حيث هو مهلك.
وهكذا فتح الكهنة الهنود الباب للمسيحيين، فيما يسمى تثليث في وحدة ووحدة في تثليث، فبراهمة اسم الله في اللغة السنسكريتية، وهو عند البراهمة الإله الموجود بذاته، لا تدركه الحواس ويدركه العقل، وهو مصدر الكائنات كلها لا حد له، وهو الأصل الأزلي المستقل، الذي منه يستمد العالم وجوده، وجاء في كتاب (الباجا فاتا بورانا) وهو من الكتب الهندية المقدسة، أن كاهنًا توجه إلى الآلهة براهمة وفشنو وسيفا، وسألهم أيكم الإله بحق، فأجابوا جميعًا اعلم أيها الكاهن، أنه لا يوجد أدنى فارق بيننا نحن الثلاثة، فإن الإله الواحد يظهر بثلاثة أشكال، بأعماله من خلق وحفظ وإعدام، ولكنه في الحقيقة واحد، فمن يعبد أحد الثلاثة، فكأنه عبدها جميعا أو عبد الواحد الأعلى.
وقد سبق أن ذكرنا أن هذا الثالوث الجديد ظهر متأخرًا، نتيجة للتطور الذي سقناه، ومن أجل هذا ليس له ذكر في "الويدا"، أما الآلهة الواردة بـ"الويدا"ت فعديدة، ولكنها اجتمعت في ثلاثة آلهة رئيسة، هم فارونا في السماء، واندرا في الهواء، وأغنى في الأرض.

الصفحة 91