كتاب أصول الدعوة وطرقها 1 - جامعة المدينة

خامساً: عَجْز العقل البَشري عن إدراك الحِكمة من التَّشريع؛ فهناك أمور قد يَعْرف العقل حِكمةَ تَشريعها، ويعرف الفوائد المُترتِّبة على هذا التَّشريع. وهناك أمور يَقف العقل البشري عاجزاً عن إدراك الحِكمة من تَشريعها، ويَظل حائِراً مُتسائلاً عن سِرّ تَحليلها أو تَحريمها.
ممّا سَبق، يتَّضح أنّ العَقل البَشري لا يستطيع وحْده أن يوجِّه الإنسان إلى السعادة، وأن يُحقِّق له الطمأنينة والأمْن، وأنّ الدَّعوة إلى الله ضَرورة فِطرية يَحتاج إليها الإنسان لتَحقيق خَيرَيِ الدنيا والآخرة.
سادساً: إنّ الدعوة إلى الله أثَرٌ من آثار رحمة الله بالعباد، وشفقته -سبحانه وتعالى- بهم، وتَعطّفه عَليهم؛ فهي تَحمل بين ثناياها ينابيع الخير للإنسان، حيث تَزْكو بعَقله، وتُطهِّرُ قَلْبَه، وتُنقِّي نَفسَه، وتُربِّي ضَميره، وتُوقِظ فيه معانيَ الفِطرة السّويّة التي فَطر الله الخَلْق عليها. ولقد شَملت الرحمةُ الإنسانية كلّها، بدعوة أشرف الخَلق وخاتم الرُّسل محمد -صلى الله عليه وسلم-. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إنّما أنا رَحمة مُهداة)).
وبهذا، يتبيَّن مَدى حاجة الإنسانية إلى الدّعوة إلى الله، وشَوق العالَم وتَطلّعه وتلهّفه إلى دعاةٍ يأخذون بيده من الكهف المُظلم الذي يَختَنق فيه، وتَنعدم رؤية الطريق المُستقيم وَسْط العَواصف التي تَعصف به، حيث أفقدته آدميَّته، وأنْسَتْه إنسانيّته؛ فالأمل مَعقودٌ، والرجاء مقصودٌ، وأيدِي البشرية تَمتدّ لأمّة الدعوة، تَستغيث بها، وتُناشِدها أن تُنقِذها ممّا هي عليه الآن. قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110).

الصفحة 16