كتاب أصول الدعوة وطرقها 1 - جامعة المدينة

صدره. فعجز إبليس، فقال له: هل لك في أمْر فصْل بيني وبينك؛ وهو خير لك وأنفع. قال: وما هو؟ قال: أطْلِقْني حتى أقول لك. فأطلقه. فقال إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك، وإنما أنت كَلٌّ على الناس يعولونك. ولعلك تحبّ أن تتفضّل على إخوانك وتواسي جيرانك، وتشبَع وتستغني عن الناس. قال: نعم.
قال: فارجع عن هذا الأمر، ولك عليّ أن أجعل عند رأسك في كلّ ليلة ديناريْن إذا أصبحت أخذتَهما، فأنفقتَ على نفسك وعيالك، وتصدّقت على إخوانك؛ فيكون ذلك أنفع لك وللمسلمين مِن قطْع هذه الشجرة.
ففكّر العابد وقَبِل ما عرَضَه عليه إبليس، وذهب إلى متعبّده وبات. فلما أصبح وجَد تحت رأسه ديناريْن، فأخذهما. وكذلك من الغد. ثم أصبح في اليوم الثالث وما بعده، فلم يجد شيئاً، فغضب، وأخذ فأسه على عاتقه. فاستقبله إبليس في صورة شيخ، فقال له: إلى أين؟ قال: أقطع تلك الشجرة، فقال: كذبْتَ والله! ما أنت بقادر على ذلك، ولا سبيل لك إليها. قال: فتناولَه العابد ليفعل به كما فعل أوّل مرة، فقال: هيهات! فأخذه إبليس وصرَعه، فإذا هو كالعصفور بين يديْه. وقعد إبليس على صدره، وقال: لتنتهِينّ عن هذا الأمْر أو لأذبحنّك؟
فنظر العابد فإذا لا طاقة له به، قال: يا هذا، غلبْتني، فخلِّ عني، وأخبرني كيف غلبْتُك أولاً وغلبتَني الآن؟
قال: لأنك غضبت أوّل مرة لله، وكانت نيّتك الآخِرة، فهزمني الله لك. وهذه المرّة غضبتَ لنفسك وللدنيا فصرَعْتُك".
هذه القصة الرمزية تُبيّن في وضوح وجلاء: حينما تصْدق النّية ويتحقّق الإخلاص، يكون العون والفرَج من الله. وحيثما تمتزج النية والعمل بالدنيا، ويتوجّه الإنسان بالعمل مجرّداً من الإخلاص، تكون الهزيمة والاندحار.

الصفحة 301