كتاب أصول الدعوة وطرقها 1 - جامعة المدينة

يؤيّد ما ذكرناه: ما جاء في حديث الغار الذي رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((انطَلَق ثلاثةُ نَفَر ممّن كان قبلَكم حتى أواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار. فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة، إلاّ أن تدْعوا الله بصالح أعمالكم ... )) إلى آخر الحديث.
وأخذ كلّ منهم يسرد عملاً قام به مخلصاً لله، فانفرجت الصخرة، وخرجوا سالمين نتيجة حُسن نيّتهم وإخلاصهم لله فيما قاموا به من أعمال.
وإنّ من ثمرات حُسن النية والإخلاص: أن المسلم إذا حبَسه مرضٌ أو عذرٌ عن عمل كان يقوم به مخلصاً، فإن الله يمنحه ثواب صدْق نيّته، ويعطيه الأجر عن هذا العمل الذي كان ينوي صادقاً ومُخلصاً أن يقوم به. ومن ذلك: أولئك النفر الذين رغبوا في الجهاد صادقين، ونفروا في سبيل الله مُخلصين، غير أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعتذر لهم بعدم وجود ما يَحملهم عليه، فحزنوا وبكَوْا لِحرمانهم من شرَف المجاهدة والغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنزل قول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (التوبة:91، 92).
وكان من ثمرة هذا الإخلاص في صدْق النِّية: أن أعطاهم الله أجْر مَن شارك في تلك الغزوة. فعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاةٍ، فقال: ((إنّ بالمدينة لَرجالاً ما سِرْتُم مسيراً، ولا قطعْتُم

الصفحة 302