كتاب أصول الدعوة وطرقها 1 - جامعة المدينة

وإنما هي اصطفاء واختيار من الحَّق -سبحانه وتعالى- لصَفوة من الخَلْق، وجماعة من البَشر اختصّهم الله بعنايَته، وشَملَهُم برعايته، وكلأهم بحفْظه، وعصَمَهم ممّا يقع فيه الناس مِن هفوات، وأيّدهم بالمعجزات الدالة على صدْقهم، وأنزل عليهم الكتب المُوضحة لشرائعهم.
ولقد تحدّث القرآن الكريم عن هذا الاصطفاء، قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} (الحج:75).
وقال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام-: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (البقرة:130).
وذَكَر القرآن الكريم اصطفاء الله للأنبياء من لدُن آدم إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (آل عمران:33، 34).
يقول ابن كثير في "تفسيره": "يُخبر الله تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض؛ فاصطفى آدم -عليه السلام-، خَلقَه بيده، ونَفخ فيه من روحه، وأسجَد له ملائكته، وعلّمه أسماء كلّ شيء، وأسكنه الجنة، ثم أهبطه منها لِما له في ذلك من الحكمة. واصطفى نوحاً -عليه السلام-، وجعَله أوّل رسول بعَثه الله إلى أهل الأرض. واصطفى آل إبراهيم، ومنهم سيّد البشر، خاتم الأنبياء على الإطلاق: محمد -صلى الله عليه وسلم-، وآل عمران، والمراد به: والدة مريم -عليها السلام-. وموسى -عليه السلام-، ذَكَر القرآن الكريم اصطفاء الله له ونعَمه عليه، قال تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف:144).

الصفحة 47