كتاب أصول الدعوة وطرقها 1 - جامعة المدينة

وعن هذا الاجتباء والاختيار، يقول تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} (مريم:58).
ولقد ظن كُفَّار مَكة أنّ الرسالة تتوزّعُ على البشَر، وأنّها تتحقّق بالرغبة، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزُّخرُف:31)، يَعْنُون بذلك أحد عظماء قريش.
وقال تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} (الأنعام:124)، أي: حتى تأتينا المَلائكة من الله بالرسالة، كما تأتي الرُّسُل. فردّ الله عليهم قائلاً: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام:124).
ويتحدث الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- عن اصطفاء الله له: فقد روي عن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كِنانة، واصطفى من بني كِنانة قُريشاً، واصطفى من قُريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم))، رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بُعثْتُ من خَير قرون بني آدم، قرناً فقَرناً، حتى بُعثت من القَرن الذي كُنت فيه))، رواه البخاري.
وهذا الاصطفاء امتدّ شَرفه إلى أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110).
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: ((إنّ الله نظَر في قلوب عباده فوجَد قَلْب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته. ثم نَظر في قلوب العباد بعد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- فوجد قُلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نَبيِّه،

الصفحة 48