كتاب أصول الدعوة وطرقها 1 - جامعة المدينة

ارتباطه وصِلته بالدعوة إلى الله، وضّع القرآن الكريم والسُّنّة النبوية الشريفة الأسُس والقَواعد التي تُنظِّم القيام به. وقام علماء الأمّة -سَلفُها وخَلفُها- بتقنين هذا العمل العَظيم، وضَبطه فيما يُعْرف بـ"نِظام الحِسْبة في الإسلام"، وهي كما عرّفها الماوردي: "أمرٌ بالمَعْروف إذا ظَهر تَرْكُه، ونهيٌ عن منكر إذا ظَهر فِعْله".
والمحتسِب هو: الشخص المعيّن من قِبل الحاكِم للأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر. ويُخوَّل له سُلطَة إيقاع العُقوبة على العُصاة. وقد عدّد الإمام أبو حامد الغزالي دَرجات العُقوبة وتَدرّجَها، وذلك بالوَعظ والنُّصح، ثم بالتَّعنيف، ثم التّغيير باليد، ثم بالتَّهديد بالضَّرب وتَحقّقه، ثم الاستظهار بالأعوان والجُنود.
والحِسبة نِظام عُرِف منذ فَجر الإسلام؛ فلقد تَولاّها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنفسه، حيث كانت دعوته -صلى الله عليه وسلم- تَتضمّن الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر قَولاً وعَملاً.
((ولقد ولّى الرسول -صلى الله عليه وسلم- سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية على سوق المدينة)). وولّى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- السائب بن يزيد مع عبد الله بن عقبة بن مسعود على سوق المدينة.
ولقد تَطوّر أداء الأمر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر من خِلال نظام الحِسبة، ليَشمل جَميع مظاهر الحياة الدِّينية والدُّنيوية. وتَتولاه الآن هيئة الأمْر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر.
ولارتباط الدّعوة إلى الله بالأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر، يقول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104).
فحمّل الله هذه الأمّة واجبَ الدّعوة إلى الخَير، نَظراً لأنّ الدِّين قد اشتَمل على الخير الذي تُدْركه العُقول السَّليمة، وتَشعر به النُّفوس والوجدانات التي لم تَفسد

الصفحة 91