كتاب أصول الدعوة وطرقها 3 - جامعة المدينة

سمعت من محمد آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى عليه، فقالت قريش: صبأ والله الوليد، لتصبأن قريش كلها، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فتوجه وقعد إليه حزينًا وكلمه بما أحماه -أي: أغضبه- فقام فأتاهم فقال: تزعمون أن محمدًا مجنون، فهل رأيتموه يهوس؟! وتقولون: إنه كاهن، فهل رأيتموه يتكهن؟! وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعرًا قط؟! وتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئًا من الكذب؟! فقالوا في كل ذلك: اللهم لا، ثم قالوا: فما هو؟ ففكر قليلًا ثم قال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، فارتج النادي فرحًا، فأنزل الله في شأن الوليد في سورة المدثر مخاطبًا لرسوله -صلى الله عليه وسلم: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} (المدثر: 11 - 26).
4 - لجوء المشركين إلى أسئلة تعجيزية ومطالب غير عقلية:
وطالبت قريش أن يريهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- معجزات أو مزايا ليست عند البشر العاديين، من ذلك قولهم: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا*أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا}، فرد عليهم الله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (يونس: 15).

الصفحة 128