كتاب أصول الدعوة وطرقها 3 - جامعة المدينة

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأمزح وما أقول إلا خيرًا)).
تواضعه وسماحته صلى الله عليه وسلم:
قد رأيت فيما مرَّ معك من معاملته لأصحابه أنَّها معاملة نبيّ كريم، وزعيم محبوب، وإنسان عظيم، استمدَّ عظمته من خصائصه لا من جاهه ولا من نفوذه، ومما يروع في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ظلّ هو الإنسان المتواضع، تواضع الأنبياء العظماء في مختلف مراحل دعوته؛ حين كان مضطهدًا، وحين كان منتصرًا، وحين كان وحيدًا، وحين كان سيد الجزيرة العربية المطاع، حين كان في أشد المحن، وما عهدنا بمثل هذا في تاريخ العظماء، وما كان محمد عظيمًا فحسب، ولكنه رسول الله أيضًا، يوم فتح الله له مكة، وانهزمت أمام جحافل جيوشه قريش الطاغية الباغية، التي ناصبته العداء نحوًا من عشرين عامًا، دخل مكة على جمل له، مطأطئ الرأس خضوعًا لله وشكرًا، وجاءه الرجال خائفين، وفيهم رجل ترتعد فرائسه، فقال له: ((هوّن عليك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد)).
وظل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمع إلى العبد والعجوز والأرملة والمسكين، يقف في الطريق لكل من يستوقفه، ويصافح كل من يلقاه، فلا يترك يده حتى يكون الذي استوقفه هو الذي يترك يده، يتفقّد أصحابه، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويستمع إلى مشاكلهم، ويشاركهم أحزانهم وأفراحهم.
رحمته وشفقته -صلى الله عليه وسلم:
كان -صلى الله عليه وسلم- واسع الرحمة بالأطفال والنساء والضعفاء، سمع بكاء صبي وهو في الصلاة، فخفّف صلاته؛ كي لا تفتن أمه التي كانت تصلي وراءه، ومرَّ بعد

الصفحة 179