كتاب أصول الدعوة وطرقها 3 - جامعة المدينة

ويروي الرواة أن أبا بكر -رضي الله عنه- قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: ((لقد طفت في العرب وسمعت فصحاءهم، فما سمعت الذي هو أفصح منك!! فقال -عليه الصلاة والسلام-: أدبني ربي فأحسن تأديبي)) وفي معنى هذا الحديث حديث آخر، روي عن علي -رضي الله عنه- رواه عنه العسكري قال: ((قدم بنو فهد بن زيد على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أتيناك من غور تهامة، وذكر خطبتهم وما أجابهم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم قال، أي علي: فقلنا: نبي الله، نحن بني أب واحد، ونشأنا في بلد واحد، وإنك تكلم العرب بلسان لا نفهم أكثره، فقال: أدبني ربي، ونشأت في بني سعد بن بكر)).
وفي كتاب (الرعد والبرق) لابن أبي الدنيا في حديث مرسل: أن أعرابيًّا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت أفصح منك". وروي عن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكلم أبا بكر بلسان كأنه أعجم، لا يَفهم مما يقولان شيئا.

أمور مهمة في وصف بلاغة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمثلة من كلامه
أ- منطق الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث صحيح أن الأنبياء قليلو الكلام قال: ((إنا معاشر الأنبياء بُكَّاء)). وجعل الجاحظ من أسباب قلة كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- النفور من التكلف، والبعد من الصنعة، وشدة المحاسبة للنفس، وذكر في هذا الموضع قول الله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (ص: 86) فأكثر أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- الإقلال من الكلام، ولكن ذلك ليس عن عجز بل كراهية للتكلف، وإظهار القدرة على الكلام، وقد كان ذلك شأن كثيرين من بلغاء العرب، ولا يزال شأن كثيرين من صناع الكلام.

الصفحة 293