كتاب أصول الدعوة وطرقها 3 - جامعة المدينة

مختلق، ودينه سحر مبين، فتراهم اتهموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكتابه ورسالته خصومة وجدلًا.
إن الله -سبحانه وتعالى- مع من يدعو إلى دينه يدافع عنه وينصره، ولذلك أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرد بالطريقة الجدلية على اتهامات معارضيه، فلئن تباهوا بما لهم من مال وولد، وظنوا أن ذلك يدفع العذاب عنهم، وقالوا: نحن أكثر أموالًا وأولادًا وما نحن بمعذبين، فإن الله تعالى يُعلم رسوله الرد ويأمره، فيقول تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (سبأ: 36، 37).
وهكذا يرد الله مباهاتهم بمالهم؛ لأن هذا المال رزق أعطاه الله لهم، وهو قادر على إزالته من ملكيتهم، ولن يكون المال أيًّا كان بمقرب من الله والجنة، ومانع من العذاب والنار، ولكن الإيمان والعمل الصالح هما أساس الحساب خيرًا كان أو شرًا.
ولئن وجهوا اتهاماتهم إلى القرآن الكريم، وقالوا: أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا، فإن الله يُعلم رسوله الرد، ويأمره به في قوله تعالى: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (الفرقان: 6).
ولئن كانوا يستبعدون القيامة ويقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، فإن الله يأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرد فيقول: {قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ} (سبأ: 30).
ومن هذه الآيات نرى أن مجادلة النبي -صلى الله عليه وسلم- هادفة، فهو يأخذ مكابراتهم ويرد عليها ردًا مقنعًا قاصرًا على المعترض عليه. والداعية يأخذ من هذه المواقف صورة التأييد الإلهي لرسوله -صلى الله عليه وسلم- الداعية الأول، ويسير على الدرب في الدعوة، متوقعًا

الصفحة 374