كتاب أصول الدعوة وطرقها 3 - جامعة المدينة

ففي هذه العقيدة هدوء القلب وراحة البدن والنفس والأعصاب ومفارقة الهم والحزن؛ فلا تمزق نفسي ولا توتر عصبي ولا شذوذ ولا انفصام؛ وإنما رضا وسكينة وسعادة وراحة وطمأنينة وبرد اليقين وقرة العين وهناءة الضمير وانشراح الصدر والاطمئنان إلى رحمة الله وعدله وعلمه وحكمته؛ فهو الملاذ والمعاذ من الوسواس والهواجس.
إن الاعتقاد بعقيدة القدر يحدث في واقع الناس وفوق هذه الأرض نتائج إيجابية هائلة؛ وأما المجتمعات التي تركت هذه العقيدة وفرغت من الإيمان بالله وتدبيره لشئون الحياة والأحياء؛ فيصيبها في الآخرة خلود في العذاب المهين، وفي هذه الدنيا ضياع السعادة وتمزق الأعصاب وضنك العيش وتوتر الحياة مصداقًا لقوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا * وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: 123، 125).
الإيمان بالقدر لا ينافي الأخذ بالأسباب:
ويجب ألا يغيب عن بالنا أننا مأمورون بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله -عز وجل- والإيمان أن بيده ملكوت كل شيء، والإيمان أن الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله -سبحانه وتعالى- فالذي خلق الأسباب هو الذي خلق النتائج والثمار؛ فمن أراد النسل الصالح فلا بد أن يتخذ لذلك سببًا وهو الزواج الشرعي، ولكن هذا الزواج قد يعطي الثمار وهي النسل وقد لا يعطي؛ حسب إرادة العزيز الحكيم ومشيئة اللطيف الخبير: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (الشورى: 49، 50).

الصفحة 38