كتاب أصول الدعوة وطرقها 3 - جامعة المدينة

قالت: ثم خرجنا، وركبت أنا أتاني وحملته عليها معي؛ فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حُمُرهم؛ حتى إن صواحبي ليقلن لي: يابنة أبي ذؤيب، ويحك! أربعي علينا، أليست هذه هي أتانك التي كنت خرجت عليها؟! فأقول لهم: بلى، والله؛ إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها شأنًا! قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد -وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها- فكانت غنمي تروح عليَّ حين قدمنا به معنا شباعًا لبنًا -أي ممتلئة الضرع- فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع؛ حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم! اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب؛ فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض قطرة لبن وتروح غنمي شباعًا لبنًا؛ فلم نزل نتعرف الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان؛ فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا -أي قويًّا.
قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا؛ لما كنا نرى من بركته؛ فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت ابني عندي حتى يغلظ؛ فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا.
ما يستفاد من الرضاعة:
أولًا: بركة هذا الرضيع على مرضعته: لقد ظهرت هذه البركة على حليمة السعدية في كل شيء:
- ظهرت في إدرار ثديها وغزارة حليبها، وقد كان قليلًا لا يكفي ولدها؛ فإذا هو يكفي ولدها ويكفي الرضيع محمدًا وزيادة.
- وظهرت بركته أيضًا في سكون الطفل ولدها -وقد كان كثير البكاء مزعجًا لأمه يؤرقها ويمنعها من النوم، وإذا هو شبعان ساكن جعل أمه تنام وتستريح.

الصفحة 56