كتاب أصول الدعوة وطرقها 3 - جامعة المدينة

حياة الكفاح وما فيها من دلائل النبوة:
قال ابن إسحاق: ((ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرًا إلى الشام، فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير صب به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يزعمون، فرَّق له أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معي ولا أفارقه ولا يفارقني أبدًا، فلما نزل الركب بِصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له: بحيرا، في صومعة له، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا، وكانوا كثيرًا ما يمرون به فلا يكلمهم ولا يعرض لهم، حتى كان ذلك العام، فلما نزلوا قريبًا من صومعته صنع لهم طعامًا كثيرًا، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته، يزعمون أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الركب حين أقبل وغمامة تظلله من بين القوم.
ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبًا منه، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته وقد أمر بطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني صنعت لكم طعامًا يا معشر قريش، فأنا أحب أن تحضروا كلكم كبيركم وصغيركم وعبدكم وحركم، فقال له رجل منهم: والله يا بحيرا إن لك لشأنًا اليوم، أما كنت تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيرًا، فما شأنك اليوم؟ قال له بحيرا: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعامًا فتأكلون منه كلكم، فاجتمعوا عليه، وتخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بين القوم لحداثة سنه في رجال القوم تحت الشجرة.
فلما رآهم بحيرا لم ير الصفة التي يعرف ويجد عندهم فقال: يا معشر قريش لا يتخلفن أحدٌ منكم عن طعامي. قالوا: يا بحيرا ما تخلف أحد ينبغي لك أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدثنا سنًّا، فتخلف في رحالنا. قال: لا تفعلوا، ادعوه فليحضر

الصفحة 67